في الساعات الماضية، طغت التهديدات التي كان قد ذهب إليها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، ربطاً بتطور الأوضاع على الساحة المحلّية، لا سيما مع تزايد مؤشرات الفوضى على أكثر من صعيد، خصوصاً على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، حيث كان التهديد بالذهاب إلى المواجهة مع إسرائيل هو العنوان الأبرز.
منذ العام 2019 حتى اليوم، عمد الحزب إلى التلويح بهذه الورقة في أكثر من مناسبة، لا سيما خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لكن هذه المرة لا يمكن فصل ما حصل عن النتائج التي أفرزها لقاء باريس، بالرغم من عدم صدور أيّ بيان رسمي حول هذا اللقاء، حيث كانت الرسالة واضحة فيما تولّى سفراء الدول المشاركة في اللقاء نقله إلى المسؤولين اللبنانيين، لناحية ان "الذين يعرقلون إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات سوف يواجهون تداعيات سلبية".
قبل ذلك، كانت العديد من القوى السياسية قد ذهبت إلى رفع سقف مواجهتها مع "حزب الله"، عبر التهديد بعرقلة أيّ جلسة إنتخاب تستطيع قوى الثامن من آذار تأمين الأكثرية المطلوبة لإنتخاب مرشحه الضمني، أي رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، بالإضافة إلى التلويح بإعادة النظر في كل التركيبة القائمة، الأمر الذي أوحى بأنّ البلاد انتقلت إلى مرحلة جديدة من المواجهة.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن مسار الأحداث، في الفترة الماضية، كان يصب في إتجاه زيادة الضغوط بهدف الذهاب إلى تسوية ضمن شروط معينة، أي إنتخاب مرشح رئاسي محدد، تحت طائلة التهديد برفع مستوى الضغوط على نحو أكبر وأوسع، على أساس أن الأفرقاء المحليين، تحديداً "حزب الله"، غير قادرين على تحمل المزيد من التداعيات السلبية، خصوصاً إذا ما كانت ستطال الإستقرار المحلي أو تفتح الباب أمام ما يمكن وصفه بـ"الفوضى الإجتماعية".
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أن المطلوب من لقاء باريس كان رمي الكرة في ملعب الأفرقاء اللبنانيين، أي دعوتهم إلى تقديم التنازلات لتفادي ما هو أسوأ، والمقصود هنا حكماً "حزب الله" على أساس أن مبادرته إلى التنازل من الممكن أن تفتح الباب أمام "الحل" المنتظر، الذي هو عبارة عن التسليم بتبدل التوازنات لغير صالحه، الأمر الذي حتّم على السيد نصرالله أن يعيد رسم قواعد الإشتباك السياسي من جديد أول من أمس، معيداً الكرة إلى ملعب القوى الخارجيّة المؤثّرة في الساحة المحلية.
منذ ما قبل إنعقاد لقاء باريس، كان السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه يتعلق بإمكانية أن يكون الهدف منه إنتاج تسوية، طالما أن أحد أبرز اللاعبين المؤثرين في لبنان، أي إيران، غير حاضر على طاولة المباحثات، وبالتالي كان من الواضح أنّ أيّ نتائج ممكنة لن تكون خارج إطار زيادة الضغوط على حلفائها المحليين، ربطاً بما يحصل على مستوى المنطقة من تطورات، أبرزها قد يكون الواقع الداخلي في طهران.
بناء على ذلك، ترى المصادر السياسية المتابعة أنّ البلاد ستكون في المرحلة المقبلة، بعد عمليّة تبادل الرسائل التي حصلت، أمام سيناريوهين أساسيين: الأول هو أن تبادر القوى المشاركة في لقاء باريس إلى إعادة رسم الأولويات، بشكل يمهد الطريق نحو تسوية معقولة لا تكون على حساب فريق دون آخر، أما الثاني فهو الإستمرار في سياسة رفع مستوى الضغوط، على أمل أن تقود إلى تبدل المعادلة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، السيناريوهان يصبان في إتجاه أن المطلوب الذهاب إلى تسوية لبنانية في وقت قريب، ربطاً بمجموعة من الإستحقاقات الداهمة في الأشهر القليلة المقبلة، لكن في المقابل هذا لا يلغي إمكانية الذهاب إلى سيناريو ثالث، يقوم على فرضية إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل رسالة لقاء باريس، أي "التبريد" بإنتظار ظروف أفضل على مستوى المنطقة، أو حتى الذهاب إلى تسوية مرحلية لكن ليس وفق الشروط الموضوعة في الوقت الراهن.
في المحصّلة، طالما أن "الكباش" لا يزال تحت سقف منع الذهاب إلى الإنفجار الشامل، فإن المرجح هو أن يبقى ضمن الحدود المضبوطة القائمة منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، إلاّ إذا حصلت حسابات خاطئة فرضت على أحد أفرقائه الذهاب إلى قلب المعادلة القائمة بشكل كامل، الأمر الذي لا يزال مستبعداً حتى الآن.