على وقع حالة الإستعصاء التي يمر بها الإستحقاق الرئاسي، بسبب إنغلاق أبواب الحلول، سواء كانت داخلية أو خارجية، الأمر الذي تبين بعد النتائج التي أفرزها لقاء باريس الخماسي، الذي جاء بعد تراجع أكثر من حراك محلي كان قد برز قبله، يبدو أن غالبية الأفرقاء المحليين باتوا على اقتناع بأنهم دخلوا مرحلة أزمة الخيارات، حيث تغيب القدرة على إنتاج البدائل لفتح كوة في جدار الأزمة.
في هذا السياق، هناك قناعة واحدة، يتفق عليها جميع الأفرقاء، تكمن بأن لا حل إلا بالحوار القادر على إنتاج تسوية، يريدها الجميع اليوم قبل الغد بسبب تداعيات الأزمة على كافة المستويات، خصوصاً الإقتصادية والإجتماعية، لكن ليس هناك من هو في وارد المبادرة في الوقت الراهن.
على هذا الصعيد، تشير مصادر نيابية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بعد لقاء باريس، كانت رسالة الدول المشاركة، التي تولى نقلها وفد السفراء الذي جال على بعض المسؤولين، أن إيجاد الحلول هو من مسؤولية الأفرقاء المحليين وعما يمكن أن يتفقوا عليه، يليها بعد ذلك المساعدة الخارجية، نظراً إلى أن العديد من الجهات الإقليمية والدولية لن تذهب إلى تغطية أي حلّ، بل لديها مواصفاتها أو شروطها التي ليست في وارد التنازل عنها.
في المقابل، تلفت المصادر نفسها إلى أن الرد اللبناني على هذه الرسالة كان التصعيد، حيث عمد كل فريق إلى رفع سقف خطابه، رافضاً أن تكون التسوية على حسابه، على إعتبار أن الوقت لم يحن لتقديم تنازلات تكرس إنتصار فريق على الآخر، أو لأن الثمن المطلوب من أجل الذهاب إلى تلك التسوية لا يناسبه، وبالتالي المخرج الوحيد هو التصعيد، الذي يقوم على أساس منع الآخرين من تبديل المعادلات القائمة، لأنّ رمي الكرة في ملعب اللبنانيين، في ظل إدراك عجزهم، يعني عدم الرغبة في الوصول إلى التسوية المعقولة.
في هذا الإطار، يمكن الحديث عن 3 مستويات من العجز الداخلي: الأول هو عجز قوى الثامن من آذار على تأمين الأكثرية المطلوبة لانتخاب مرشّحها، أي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، بالتزامن مع عدم رغبتها بالتراجع، أما الثاني فهو ذلك الذي يعبر عنه "التيار الوطني الحر"، الذي يواجه أزمة على مستوى علاقاته مع مختلف المكوّنات، في وقت لا يبدو قادراً على تقديم أي حل، بينما الثالث هو عجز مختلف القوى المعارضة، التي لا تملك إلا ورقة رمي المسؤولية على الآخرين.
بالنسبة إلى المصادر النيابية المتابعة، عند هذه النقطة تعود الأمور إلى المربّع الأول، القوى الخارجيّة ترمي المسؤولية على عاتق الأفرقاء المحليين، بينما هؤلاء يعجزون عن إنتاج أي حل، الأمر الذي يدفعهم للرهان على تطورات قد تحصل على المستوى الإقليمي، وهو ما تكرر في أكثر من مناسبة، منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، من دون أن يقود إلى أيّ نتيجة تذكر، حيث كانت الإستحقاقات تمرّ دون أي يكون لها أي تداعيات مباشرة على الواقع اللبناني.
من وجهة نظر هذه المصادر، أخطر ما تواجهه البلاد هو غياب المرجعيّة القادرة على ضبط الأمور أو "المايسترو"، حيث تشير إلى أن ليس هناك من جهة محلّية قادرة على جمع الأفرقاء اللبنانيين للبحث في الحلول الممكنة أو على الأقل الحدّ من سرعة التدهور الحاصل، وهو ما قاد في مرحلة ماضية إلى إجهاض أكثر من دعوة إلى الحوار، بإنتظار ما قد يأتي من الخارج أو حصول تطور كبير على المستوى الداخلي.
في المحصّلة، الجميع اليوم يندرج في خانة "المأزوم" الذي ليس لديه ما يقدّمه، ما يقود إلى الإكتفاء برفع ثمن التسوية أو السعي لعدم خفضه، طالما لم يظهر أن هناك من يريد أن "يشتري"، بإنتظار ما قد تحمله المرحلة المقبلة من تطورات، باتت تدور بين حدّ الذهاب إلى المواجهة أو التسوية أو بقاء الأمور على ما هي عليه.