عندما تودع المملكة العربية السعودية مليار دولار أميركي في بنك اليمن المركزي، فهذا يعني أن امراً ما يحدث على صعيد المنطقة، ولو كان المصرف المعنيّ في عدن، لا في صنعاء التي تقع تحت سلطة الحوثيين. هذا التطور في الملف اليمني، مترافقاً مع الانفتاح العربي على العاصمة السوريّة، يعلنان عن اقتراب بدء مرحلة جديدة من الحياة السياسية الاقليميّة، والتي لا بدّ للبنان أن يتأثر بها.
بالطبع ليس كلّ تأثير هو إيجابي، فلبنان يتأثر بمحيطه العربي والاقليمي، وكل التأثيرات منذ العام 2011 تقريباً هي سلبية اوصلت البلد الى ما هو عليه من وضع صعب ومأزوم، لكن ما قاله رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في إطلالته التلفزيونية الاخيرة حول "تمنياته بأن يتقدّم الملف اليمني وينعكس إيجاباً على لبنان" ينبغي التوقف عنه.
لطالما قلنا أن موضوع اليمن هو أولوية سعودية في المنطقة، يأتي قبل ملفات لبنان،العراق وسوريا، ومؤخراً بحسب مصادر سياسية بارزة فإن المملكة وضعت الملف اللبناني مؤخّراعلى لائحة اولوياتها، واليمن اولاً، لذلك هناك من يستبشر خيراً بأي تقدم إيجابي على خط الملف اليمني الذي تدخل فيه إيران وحزب الله بشكل مباشر.
بحسب المصادر لا يبدو أن العودة الى الحرب في اليمن أمراً متاحاً، مشيرة عبر "النشرة" الى أن الهدنة التي بدأت قبل أشهر قد تتحول قريباً الى تسوية سياسية، أساسها بالنسبة للمملكة العربية السعودية حماية حدودها من الوجود الإيراني، وهو نفس ما تسعى اليه بتقاربها مع سوريا، قبل الزلزال وبعده.
لم تنتقل العلاقة بين دمشق والرياض من حال التنسيق الأمني الى التنسيق السياسي، لكن المملكة أصبحت أكثر وضوحاً حيال رغبتها بالحديث مع سوريا سياسياً، بعد أن كان لافتاً زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى سلطنة عُمان على متن طائرة سورية، واستقباله استقبال الرؤساء، وهو ما يعني بداية عهد جديد من العلاقات بين العرب وسوريا، عنوانه "تقليص القوّة الإيرانية في الاقليم".
تكشف المصادر أن للمملكة السعودية رغبة "بالعودة الى الشام"، شرط أن تكون لملء الفراغ الإيراني هناك، وهي أبلغت الأسد عبر وسطاء انها لن تقبل بعودة بلاده الى الحضن العربي ما دامت إيران حاضرة بقوة على الساحة السورية، وهذا ما سيجعل الرئيس السوري أمام تحدٍّ صعب عنوانه الإختيار بين ايران والدول الخليجية، وسيكون لهذا الإختيار تأثير على لبنان.
من هنا يمكن بحسب المصادر فهم الخطاب التصعيدي الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله والذي هدّد فيه بإشعال المنطقة ككل، فحزب الله لديه معطيات وتفاصيل حول كل الملفّات في المنطقة، وبعد لقاء باريس وما وصله من معلومات عنه تفوق ما نُشر، شعر أن البعض يفكر بتسوية رئاسيّة في لبنان لا يكون حزب الله داخلها، وتقوم على اختيار قائد الجيش للرئاسة، وهنا فإنّ حزب الله لا يضع فيتو عليه بحال كان وصوله ضمن تسوية يكون الحزب بصلبها، لا كما يفكر البعض أن يفعل، لذلك كان التصعيد الداخلي والخارجي للتأكيد على أن حزب الله سيكون في صلب أي تسوية، ولا ولن يقبل بأن تكون على حسابه.