بعد خطاب أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، الأسبوع الماضي، طُرحت الكثير من السيناريوهات حول ما يمكن أن يحصل على مستوى الإستحقاقات المحلّية، خصوصاً أن التصعيد الذي ذهب إليه جاء مباشرة عقب إنتهاء لقاء باريس الخماسي، بعد أن بدأ الحديث عن أن الدول المشاركة فيه، أي فرنسا، أميركا، السعودية، قطر ومصر، تسعى إلى فرض مرشح رئاسي على الأفرقاء اللبنانيين.
هذا الواقع، عمد "التيار الوطني الحر" إلى التحذير منه في أكثر من مناسبة، عبر الإشارة إلى "خطورة ما يتمّ رسمه تنفيذاً لأجندات خارجية، في ظلّ تجمع عناصر الانفجار بدءاً بانفلات الدولار وإقفال المصارف، مروراً بالضغوط المعيشية على الناس لدفعهم إلى الشارع، بهدف فرض رئيس رغم إرادة اللبنانيين وتحت وطأة الفوضى".
إنطلاقاً من ذلك، رأى الكثيرون أنّ البلاد ذاهبة إلى المزيد من التشنّج، على إعتبار أن هناك مرحلة جديدة بدأت، عنوانها سعي غالبية الأفرقاء إلى تحسين أوراق قوتهم قبل الوصول إلى لحظة التسوية أو الإنفجار، لكن في المقابل ظهرت مجموعة من المؤشرات التي تصب في خانة السعي إلى التهدئة، وهو ما تأكد من خلال مبادرة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أول من أمس، إلى خطوات إستثنائيّة، بغضّ النظر عن قانونيتها، لمعالجة إضراب المصارف.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بعد ساعات من خطاب أمين عام "حزب الله" بدأت العديد من الأوساط الدبلوماسية بالسؤال عن الأسباب التي دفعت به إلى هذا الموقف، بالتزامن مع محاولة معرفة المدى الذي من الممكن أن يذهب إليه الحزب، خصوصاً أن السيد نصرالله وضع خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، في مؤشر على أن الأمور وصلت إلى الحدّ الذي لا يمكن أن يقبل به، مهدداً بإحتمال إشعال النيران في المنطقة، الأمر الذي ترافق مع جولة السفيرة الفرنسية آن غريو على عدد من المرجعيات السياسية.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه يُسجل على هذا الصعيد عدم مبادرة الأفرقاء المحليين المعارضين لـ"حزب الله" إلى التصعيد، نظراً إلى أن هؤلاء كانوا ينتظرون عادة أي فرصة من هذا النوع للهجوم عليه، حيث ترى أن الأمر يعود، على الأرجح، إلى إدراكهم أن ما يجري أكبر من قدرتهم على التأثير فيها، ما يحتم الإنتظار إلى حين يتبين الخيط الأبيض من الأسود مما يحصل.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، ما يمكن الحديث عنه، في الوقت الراهن، هو أن غالبية الأفرقاء قرروا البقاء في حالة المراوحة، فـ"الثنائي الشيعي" بعث بأكثر من رسالة تصب في إتجاه التمسك بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، بينما باقي الأفرقاء قرروا عدم مغادرة مواقفهم المعروفة من الإستحقاق الرئاسي، سواء كانوا من المتمسّكين بمرشح محدّد أو من الساعين إلى البحث عن حلول أخرى، من خارج دائرة المرشّحين الأساسيين، أيّ فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون.
من وجهة نظر هذه المصادر، ما يحصل يوحي بأن هناك ما يمكن أن يتضح أكثر في المرحلة المقبلة، بالنسبة إلى الإستحقاق الرئاسي، لكن الأساس يبقى أن الوقت الراهن ليس أكثر من مرحلة تمرير وقت، بإنتظار بروز تطورات خارجية من الممكن أن يستفيد منها لبنان، أو إقتناع الأفرقاء المحليين بضرورة الذهاب إلى تسوية داخلية تحظى بمباركة القوى الدوليّة والإقليميّة المؤثّرة، وبالتالي لا بأس من بقاء الأمور على ما هي عليه، بغض النظر عن بعض التوتّرات السّياسية، التي قد يكون أبرزها على خط "التيار الوطني الحر"-"حزب الله".
في المحصّلة، ما يمكن التأكيد عليه اليوم أن ليس هناك من هو في وارد الذهاب إلى الإنفجار الشامل، بغضّ النظر عن أن هذا الإحتمال يبقى قائماً طالما لم تظهر بوادر أيّ حل ممكن، خصوصاً أن هناك الكثير من الملفات التي من الممكن أن تقود إلى ذلك، حيث لا تزال محاولات التهدئة المحلّية هي الأساس في الوقت الضائع، طالما أنّ الغالبيّة تدرك أنّ حدود تأثيرها في المسار العام محدودة.