على الرغم من كل الروايات التي كانت تتحدث عن الإنسحاب السعودي من المشهد اللبناني، طوال الفترة الماضية، هناك معادلة، بات الجميع يسلم بها، تقوم على أساس حتمية شراكة الرياض في أي تسوية تبرم في الفترة المقبلة، لا سيما أنها الجانب الوحيد القادر على تقديم المساعدات المالية التي يحتاجها لبنان.
حتى الساعة، لا تزال الرياض تتعامل مع الواقع المحلي، إنطلاقاً مما يوصف بالحاجات الإنسانية، أما ما هو أبعد من ذلك فيحتاج إلى ثمن سياسي لم تظهر معالمه بعد، الأمر الذي تأكد بشكل واضح خلال مداولات لقاء باريس الخماسي، من دون أن يلغي ذلك أن هناك رغبة في التفاوض حوله أو الإستعداد لهذا الأمر، بدليل التهدئة القائمة على مستوى الخطاب الذي يتم التوجه فيه إليها.
في هذا السياق، ترى مصادر نيابية، عبر "النشرة"، ضرورة عدم تجاوز ما كان قد أدلى به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في الأيام الماضية، لناحية أن السعودية غير مستعدة لمساعدة لبنان في ظل دعم "حزب الله" حركة "أنصار الله" اليمنيّة، حيث تشير إلى أن هذا الموقف مؤشر على ما تريده الرياض بشكل أساسي، خصوصاً أن جميع المباحثات الدبلوماسيّة تؤكّد أن هناك شبه إجماع على أنّ أيّ تسوية من دون مشاركاتها لن تكون منتجة.
على هذا الصعيد، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ الجانب الفرنسي هو الأكثر إدراكاً لهذه المعادلة، الأمر الذي يدفعه إلى الحرص على إشراكها في جميع المداولات القائمة، وتذكر بأن الامر كان بدأ منذ ما قبل الإنتخابات النيابية الماضية، حيث لعبت باريس دوراً أساسياً في عودة الرياض إلى الساحة، بالرغم من أن العودة لم تكن بالشكل أو بالحجم الذي كانت تتمناه.
في الوقت الحالي، تكثر الرهانات اللبنانية على أكثر من معطى قد يقود إلى تسهيل معالجة الملف اللبناني، لكن اللافت أن غالبية تلك الرهانات مرتبطة، بشكل أو بآخر، بالجانب السعودي، من المفاوضات القائمة حول الملف اليمني إلى الخطوات المنتظرة في الملف السوري، على قاعدة أن أيّ تقدم فيهما من المفترض أن ينعكس على الواقع المحلي.
في هذا الإطار، تشير المصادر النّيابية إلى أكثر من معطى ينبغي التوقف عنده على المستوى الداخلي، الأول هو وجود قوى متضامنة في الموقف مع الرياض، وبالتالي لا يمكن أن تذهب إلى أي خطوة ما لم تكن المملكة راضية عنها، أما الثاني فهو تسليم مجموعة أخرى من القوى بمعادلة ضرورة حضورها في أي تسوية مقبلة، بينما الثالث يتعلق بسعي أكثر من جهة معنيّة بالإستحقاق الرئاسي على الإنفتاح عليها، والتأكيد على أنّها من الممكن أن تلعب دوراً راعياً لمصالحها من خلال تمسكها بإتفاق الطائف.
في المحصّلة، توضح المصادر نفسها أن ما تقدّم يقود إلى الحديث عن أنّ السعودية قد تكون اليوم الجانب الأقوى في المعادلة، حيث تنتظر ما قد يقدّم لها للمشاركة في التسوية أو تغطيتها، وهو ما يمكن أن يتأكد من خلال سعي أكثر من جهة إلى الحوار أو الإنفتاح عليها بهدف تحصين واقعها الرئاسي، بينما هي تتعامل مع الملفّ على قاعدة أنّها غير مستعجلة، لا بل ترى أنّها ليست معنيّة بأيّ مبادرة جديدة من قبلها، حيث تنتظر ما قد يقدم لها من الجانب الآخر.