لم يكن احد يتوقع ان يتحول المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى مشكلة في لبنان، وهو الذي اعتاد ان يلجأ اليه الجميع لحل المشاكل وتولي المفاوضات، ليس فقط على الصعيد المحلي بل اقليمياً ودولياً، وقد تولى الكثير من هذه المهام بنجاح. اضافة الى ذلك، اعتقد الجميع ان كل المشاكل ستتلاشى عند الوصول الى باب هذا الرجل، نظراً الى العلاقات التي نسجها بحكم مهامه مع السياسيين اللبنانيين والمسؤولين خارج لبنان على كل المستويات، الى ان وصلت الامور الى ما هي عليه اليوم وباتت مشكلة عباس ابراهيم عقدة لا يمكن حلها!.
مصادر التيار الوطني الحر التقت مع مصادر قريبة من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على خلع القفازات واتهام الثنائي الشيعي بحفر الحفرة لابراهيم، وهي اذ اعتبرت ان رئيس مجلس النواب نبيه بري هو من حفر الحفرة، الا انها غمزت من قناة حزب الله بأنّه لم يحرك ساكناً وبالتالي كان "مشاركاً" في هذه الحفرة. مصادر التيار كانت اقسى في توجيه هذا الاتهام، فيما المصادر القريبة من ميقاتي اكتفت بوصف حالة رئيس الحكومة المستقيل معتبرة انه ينطبق عليها المثل "في فمي ماء"، وهو ما يستشف منه انه لم يكن يرغب اصلاً في الوصول الى هذه النقطة، وانه منسجم مع المدير العام للامن العام بشكل تام، ولكنه وجد نفسه في موقف حرج وكان عليه بالتالي الاختيار بين ان يقف في وجه برّي وعدم الاعتماد على دعم الحزب، او السير مع رئيس مجلس النواب والابقاء على حسن سير العلاقة، فاختار الثانية.
وتشرح مصادر التيار ان الامر لا يحتاج الى الكثير من التدقيق والبحث لكشف عدم ارتياح برّي لابراهيم، واعتباره انه يشكل تهديداً مباشرَ له، وهو بالتالي (اي ابراهيم) ورث المشكلة القائمة بين بري والنائب اللواء جميل السي،د خصوصاً وان الاخير شغل ايضاً منصب المدير العام للامن العام. وتكمل مصادر التيار قولها انه لا تنقص بري الذرائع والحجج والخطوات كي ينجح في الوصول الى حلّ يقبل به الجميع من دون ايّ اعتراض، ويفضي الى استمرار ابراهيم في عمله بشكل قانوني، وهو الذي يُعرف عنه انه قادر على تحويل "الابيض الى اسود" بسحر ساحر، وايجاد المخارج اللازمة عندما تسير الامور وفق ما يريده. واعتبرت المصادر نفسها ان برّي ضرب عصفورين بحجر واحد اذ ان ازاحة ابراهيم عن منصب المدير العام للامن العام من شأنه ان يبعده عن الاضواء، اذ لن يملك الصفة اللازمة للتحرك نحو السياسيين ولن يملك ايضاً المعطيات والمعلومات الكافية التي يحصل عليها بصفته، كي يكون من الرجال المؤثرين في الحياة السياسية اللبنانية وخارجها.
ويدرك بري، وفق المصادر، ان اي "جائزة ترضية" لابراهيم كمشاركته في الحكومات المقبلة لن تنجح، لانّ بري لن يقبل باستلامه حقيبة سيّادية وازنة فيما لن تتخلّى الطوائف الاخرى عن حقائبها كرمى لعيون احد. وبالتالي، يكون ابراهيم قد ابتعد عن مركز المعلومات الذي كان لديه، وعن الحياة السياسية بشكل عام شيئاً فشيئاً ما يقلّل من خطورته على المدى القصير، ويخفّف من وهج وصوله الى البرلمان عندما يحين الوقت.
ولكن، عندما توضع هذه المعطيات امام مصادر قريبة من برّي، تنفيها جملة وتفصيلاً وتعتبر ان رئيس المجلس النيابي اراد حقاً ايجاد مخرج قانوني، ولكن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وبعض القوى لا يريدون ذلك، انما يكتفون بـ"بيع الكلمات الرنانة والمواقف الايجابية" لابراهيم تاركينه في عرض البحر، فيما لو توافرت الارادة الحقيقية لديهم لكانوا نجحوا في التمديد له بطريقة شرعية وعبر المجلس النيابي، ولكنهم ارادوا "التخلص منه" ورمي الكرة في ملعب برّي. وعندما يتم سؤا لهذه المصادر عن السبب، تجيب: "انتقاماً من حزب الله".
بين هذه المعطيات وتلك، يجد اللواء ابراهيم نفسه وحيداً في حقل الغام لا يملك العدّة اللازمة لاجتيازه او تفكيك المواد المتفجّرة، ولم يعد يملك الا الوقت لدرس خياراته واستعمال كل ما يملكه من خبرة اكتسبها على مدى السنوات، ليجد حلاً لمشكلة لم يتوقع ان يواجهها.