بعد حديث رئيس المجلس النيابي نبيه بري الرئاسي، الذي كشف فيه رسمياً عن تبنّي ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، من قبل الثنائي الشيعي، ظنّ الكثيرون أن هذا الأمر يعني الإنتقال إلى مرحلة "اللعب على المكشوف"، لكن الذي حصل كان بدأ منذ تاريخ اللقاء الخماسي في باريس، الذي ضم ممثلين عن فرنسا وأميركا والسعودية وقطر ومصر، ولو كان ذلك تم بشكل هادئ لا يرتقي إلى مستوى الضجّة التي أحدثتها مواقف بري.
في حصيلة جولة الصراعات الداخليّة، التي شهدتها البلاد، في اليومين الماضيين، يمكن الحديث عن فيتوات علنيّة وضعت على طاولة المفاوضات غير المباشرة، متعلّقة بالمرشحين الرئاسيين الأساسيين، أي فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون، وهو ما أكد عليه موقف رئيس المجلس النّيابي من ترشيح عون، المُفضّل من قبل العديد من الجهات الدوليّة والإقليميّة، والذي يعتبر المرشح الضمني لغالبيّة القوى الداعمة لترشيح رئيس حركة "الإستقلال" ميشال معوض.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، في قراءتها لهذه الوقائع الجديدة إلى معادلة ثابتة في الإستحقاق الرئاسي الحالي، تقوم على أساس عدم إمكانية إنضاج أيّ تسوية من دون موافقة "حزب الله" والمملكة العربية السعوديّة، نظراً إلى أنّ الحزب يملك القدرة على تعطيل ما لا يرضى عنه، وبالتالي هو صاحب حقّ "الفيتو" الأكبر، بينما الغالبية، في الداخل والخارج، تتّفق على الحاجة إلى الرياض في المرحلة المقبلة، في حال كان هناك رغبة في الإنطلاق في رحلة الخروج من الأزمة الراهنة.
بناء على ذلك، تلفت هذه المصادر إلى أنّ المعطيات الراهنة تصبّ في اتّجاه رفض الحزب لترشيح قائد الجيش، الأمر الذي عبّر عنه رئيس المجلس النيابي بشكل واضح من خلال الإشارة إلى عدم توفر الإمكانيّة لتعديل الدستور، وبرّي في هذا المجال لم يكن يتحدث عن موقف "حركة أمل" فقط، نظراً إلى الإتفاق المسبق مع الحزب على مقاربة مشتركة للإستحقاق الرئاسي، بالإضافة إلى رفض ترشيح رئيس تيار "المردة" من قبل الفريق الآخر، بالرغم من أن الثنائي لا يزال يراهن على إمكانية إقناع "التيار الوطني الحر" بهذا الخيار، بالإضافة إلى توفير عدم ممانعة سعوديّة له.
في الوقت الحالي، قد يكون رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أكثر المستفيدين من المعادلة الجديدة، نظراً إلى أنّ الرجل منذ البداية يرفض تبنّي فرنجية أو عون، ويدعو إلى فتح باب البحث عن خيارات أخرى، لكن في المقابل هناك من توقف عند دخول "الحزب التقدمي الإشتراكي" على خط السجالات الأخيرة، متضامناً مع رئيس المجلس النيابي، الأمر الذي أثيرت حوله الكثير من علامات الإستفهام، لا سيما لناحية إنتقاله إلى جبهة المؤيدين لترشيح رئيس تيار "المردة".
في هذا الإطار، توضح المصادر السياسية المتابعة أنّ موقف "الإشتراكي" يقتصر على دعم دعوات الحوار المتكرّرة الصادرة عن برّي، لكن من الناحية العمليّة هو لا يمكن أن يذهب إلى أيّ خيار تعارضه السعودية، وهو ما ينطبق أيضاً على مجموعة واسعة من النواب السنّة المستقلّين، أما بالنسبة إلى رهان الثنائي الشيعي على إمكانيّة حصول تبدل في موقف "التيار الوطني الحر" من ترشيح رئيس تيار "المردة"، فترى أنّ هذا الأمر اليوم أصعب من الأيام الماضية، خصوصاً أن التيار يشعر بأنه قطع نصف طريق التخلص من ترشيح فرنجية وعون معاً.
إنطلاقاً مما تقدم، تدعو هذه المصادر إلى مقاربة الإستحقاق الرئاسي وفق معطيين أساسيين: الأول هو إستحالة إنتخاب رئيس تيار "المردة" أو قائد الجيش في ظلّ الوقائع الراهنة، بسبب العقبات التي تواجه كل منهما، أما الثاني فهو حاجة الجميع إلى إنجاز الإستحقاق الرئاسي في وقت قريب، وتلفت إلى أن ما حصل بعد لقاء باريس الخماسي كان بمثابة التمهيد لما هو أبعد من ذلك، فالبداية كانت من سياسة الترغيب لتأتي بعدها سياسة الترهيب، مع الإشارة إلى حرص المشاركين في هذا اللقاء إلى عدم الإعلان عن تبني أي إسم بشكل علني، الأمر الذي لا يلغي فرص التوافق أو التفاوض مع المحور المقبل.
في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن هذه الوقائع لا يمكن الجزم بأنها ستكون ثابتة، على إعتبار أنّ سيناريو التحوّلات المفاجئة يبقى قائماً، طالما لم تظهر معالم أيّ تسوية حتى الآن، لكنها تلفت إلى أن البلاد ستكون، على الأرجح، أمام مرحلة من التصعيد الكبير في الفترة المقبلة، تنطلق من معادلة السعي إلى إنجاز الإستحقاق في وقت قريب.