أتى كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري بوجوب النزول الى ساحة النجمة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية وكسر النمط المسرحي في الجلسات الانتخابية السابقة، وتبنّيه علناً انتخاب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ثم اعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بشكل نهائي وواضح تبني دعم فرنجية ايضاً، لتؤكد الخطوتان وجود قطبة مخفيّة دعت الى الاعلان عن دعم ترشيح رئيس تيار "المردة" لرئاسة الجمهورية.
اساساً كان ثنائي حركة "امل" و"حزب الله" يدعمان منذ اشهر وصول فرنجية الى بعبدا، لكنهما لم يعلنا، ولم يضعا اسمه في صندوق الاقتراع، واكتفيا بوضع ورقة بيضاء، لأن ترشيح فرنجية لم يكن ناضجاً. فهل نضجت ثمار الترشيح؟.
تتحدث المعلومات عن امكانية نيل فرنجية اكثر من ٦٥ صوتاً، من دون حسم داعمي رئيس "المردة" هذا الأمر. لكن التواصل المفتوح بين عين التينة وكلمينصو اوحى بوجود استعداد عند رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لتأييد فرنجيّة، من دون حسم القرار النهائي. المفارقة ان رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط لم يقتنع بتبنّي ترشيح فرنجية لاعتبارات عدة، ابرزها موقف المملكة العربية السعودية بشأن الترشيح، واذا كانت زيارته والنائب وائل ابو فاعور الى المملكة حملت معها عدم قبول الرياض تبني رئيس "المردة"، فقد تبيّن ان ملاحظات السعوديّة هي على تحالف فرنجيّة مع "حزب الله" وعلاقته بدمشق، وليس بسبب شخصه. وتتحدث المعلومات عن ان المملكة تضع مواصفات تستبعد فيها اي مرشح يرتبط بحلف مع الحزب المذكور.
لكن لا يمكن الجزم ان الرفض السعودي هو فيتو نهائي، فيما غالبية النواب السنّة في لبنان هم مؤيدون لفرنجيّة الذي يرتبط بحلف مع زعيمين سنيّين: رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
واذا كانت حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون تراجعت جداً نتيجة المعوقات الدستوريّة، ولا قدرة للمرشح النائب ميشال معوض على الوصول الى الاصوات المطلوبة بكل الاحتمالات، فإنّ الخيار الذي يمكن ان يشكل مساحة اتفاق بين معارضي فرنجيّة غير متوافر لبنانياً. وعليه فإن حسم "الاشتراكي" موقفه لاحقاً الى جانب فرنجية، يفتح الاحتمالات على التحاق نواب آخرين في خيار تبني فرنجية ايضاً.
تبقى العين على التيار "الوطني الحر" الذي ابقى نصرالله له الباب مفتوحاً، فهل يدخل في اتفاق مع الحزب المذكور لدعم فرنجيّة؟ لا يمكن الجزم لا سلباً ولا ايجاباً رغم انّ رئيس التيار جبران باسيل الممانع لوصول فرنجية احترف السياسة، ويستطيع ان يزن ربحه وخسارته في مقاربة خطوته تجاه رئيس "المردة". لكن مطّلعين يقولون ان باسيل كان موعوداً بإزالة العقوبات الاميركيّة عنه في نهاية شهر اذار، وهو ما يشكّل مدخلاً لاعادة ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسيّة، فأتى كلام نصرالله ليحسم المسار في تأييد فرنجية واستبعاد رئيس التيار الوطني الحر، خصوصا ان المؤشرات الاميركيّة لا توحي بإمكانية ازالة العقوبات عن باسيل قريباً.
على هذا الاساس، يحضر موقف "الوطني الحر" في الحسابات، امام سيناريوهات اربع:
اولاً، انتخاب فرنجية وهو امر مستبعد.
ثانياً، ترك الحرية لنواب "لبنان القوي".
ثالثاً، معارضة وصول فرنجية، لكن مع ضمان تأمين النصاب الدستوري بحضور كل نوابه جلسة الانتخاب.
رابعاً، اعلان معارضته وصول فرنجية ودعم مرشح آخر.
كل ذلك لا يعني عدم توجه "القوات" نحو مراضاة باسيل، ومحاولة الوصول الى اتفاق معه بشأن مرشح يحظى بدعم معراب والرابية معاً. وهذا يتطلب اتفاقاً حول النفوذ يستنسخ بعض بنود اتفاق معراب الماضي.
قد يجمع فرنجية الخصمين المسيحيين ضده، في حلف "عالقطعة". رغم ان اجتماعهما لن يؤدّي سوى لقطع الطريق على فرنجية لا غير.
لا يزال الوقت مبكراً لحسم المسار، بإعتبار ان تأمين ٦٥ صوتاً لفرنجية لا يعني حصول الجلسة بسبب النصاب الدستوري المطلوب لإنعقادها، فهل يحسم معارضو فرنجيّة ترشيح اسم اخر لخوض معركة تكرر ما حصل في جلسة انتخاب فرنجيّة الجد؟ ام ان عدم اتفاق كل معارضي فرنجيّة على اسم مرشح واحد يمنعهم من حضور الجلسات لأمد طويل؟.
لبنان لا يتحمل مزيداً من الشغور الرئاسي لاعتبارات اولها واساسها اقتصادي-معيشي، بسبب متطلبات الاصلاح، وثانيها سياسي، وثالثها امني. وهو ما سيقود داعمي فرنجيّة لرمي كرة المسؤوليّة في ملعب الرافضين لحضور الجلسات الانتخابية.