دقائق قليلة فقط احتاجها كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لاعلان ضم قائد الجيش العماد جوزاف عون الى النائب ميشال معوض في السباق الى رئاسة الجمهورية، مع "لطشة" مهمة لرئيس لتيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بأن حظوظه الرئاسية تقارب العدم، وان الغمز من باب ترشحه اصبح من الماضي ولن يجدي نفعاً.
لعب بري لعبته، وجاراه فيها نصر الله، وبعد انتظار لاشهر، خرج الى العلن اسم مرشحهما وهو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بما يعني ان مباراة "المصارعة" النيابية اصبحت رسمية. عصافير كثيرة ضربها حجر اعلان الثنائي الشيعي بتوقيتين مختلفين لا يفصل بينهما الا ساعات معدودة، الاول هو ابعاد العماد جوزاف عون عن السباق الى بعبدا من دون قطع الروابط معه، والثاني ايصال الرسالة الى من يعنيه الامر بأن حركة "امل" والحزب لن يملا من لعبة الانتظار التي يتقنانها والتي لعبها نصر الله سابقاً حين تبنى ترشيح العماد ميشال عون، وها هو اليوم يلعبها مجدداً انما برفقة لاعب رئيسي آخر هو بري. اما الثالث فكان ان النواب "التغييريين" لم يغيروا في المعادلة بشيء، بل انضموا الى ساحة المواجهة ولم يستطيعوا اخذ زمام المبادرة، فكان التغيير الوحيد الذي قاموا به: اضافة لاعبين جدداً الى البرلمان وتقليل عدد الاصوات التي سينالها المرشحون.
هذا القرار وضع فرنجية في مركز متقدم، وبات من الواضح ان لعبة الارقام اصبحت هي التي ستتسيد الساحة بعد ان كانت الورقة البيضاء هي نجم جلسات الانتخاب السابقة، اما تأمين اصوات 65 نائباً فليس بالامر المستحيل، ولذلك كان هدد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بمقاطعة الجلسات لضمان عدم الانتخاب. ولكن، من يعلم طريقة عمل بري ونصرالله، يدرك انهما لا يعتمدان على خطة واحدة فقط، فالخطة "ب" موجودة عندما يلزم الامر. بمعنى آخر، اذا ما ثبت استحالة انتخاب فرنجية لعوامل اقليمية ودولية، فعندها يمكن تغيير "او لا احد" وايجاد المخرج بانسحاب فرنجية نفسه من المعركة لحل الثنائي من الالتزام باسمه، وفتح الباب امام مرشح جديد يكون غير استفزازي لهما، والاهم انه لن يصطدم بهما او مع احدهما على غرار ما فعل الرئيس السابق ميشال عون مع بري. هذا يعني عملياً ان كل ما يحكى عن رئيس بعيد عن الحزب وبري، هو فعلياً بعيد عن الواقع ولا مفر من ان يكون الرئيس المقبل اما وليدة قرار الثنائي او مقبول منهما بما يطمئنهما، والا فالستاتيكو سيبقى نفسه وستطول لعبة الانتظار. وما يشجع الثنائي، هو ان لبنان وشعبه لم يسقطا في اقصى تجربة سلبية عاشها لبنان في تاريخه، على كل الصعد، ما يعني ان الاسوأ قد مرّ من وجهة نظرهما، بحيث لن "ينتفض" الشعب اليوم في حين انه كان عليه الانتفاض منذ ثلاث سنوات، وان تصاعد الازمة لم يوصل الى نقطة الانفجار، لان الخارج يعمل على ضبط الوضع الامني بكل ما اوتي من قوة، ولن يفرّط به لاسباب تدخل في اطار تأمين مصالحه اولاً واخيراً.
وبالتالي، قد يتم فتح الباب امام اسماء لشخصيات هادئة تلعب الدور المطلوب منها بسلاسة ومن دون اي تحد او استفزاز لاحد، وبالاخص للثنائي الشيعي، ليغيب حكماً عن مفردات الرئيس الجديد عبارات وكلمات في مقدمها "سلاح المقاومة ومصيره"، فتتحرك من جديد استعادة الحياة اللبنانية شيئاً فشيئاً، مع مراعاة المنطق والحقيقة التي تقضي بأن لا عودة الى ما كان عليه الوضع قبل 2019، ولكنه سيكون افضل مما هو عليه اليوم، في ظل انتخاب رئيس متفق عليه مسبقاً على غرار رئيس الحكومة والحكومة بشكل عام، مع الابقاء على الخلافات العادية لجهة الحصص والاسماء.