في العام 1970، انتخب الرئيس الراحل سليمان فرنجية بأغلبية 50 صوتاً من أصل 99، بفارق صوت واحد عن منافسه الياس سركيس الذي نال 49 صوتاً. أسباب العودة إلى تلك المرحلة، تكمن بالمعطيات الجديدة التي أفرزها تبنّي ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجيّة إلى رئاسة الجمهورية، في الأيام الماضية، من قبل "حركة أمل" و"حزب الله"، الأمر الذي تم التعبير عنه على لسان رئيس المجلس النيابي نبيه بري وأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله.
من المفارقات اللافتة على هذا الصعيد، هو أنّ هذا التبنّي جاء قبل أن يعلن فرنجيّة نفسه مرشحاً، الأمر الذي كان الثنائي الشيعي يفضّل عدم الذهاب إليه كي لا يصنف رئيس تيار "المردة" على أساس أنّه مرشّحه، خصوصاً أنّ الرجل لا يزال يحظى بمعارضة كبيرة من قبل الكتلتين المسيحيتين الأكبر في المجلس النيابي، أي "لبنان القوي" و"الجمهورية القوية"، وبالتالي من الممكن أن يُفسّر هذا التبنّي على أساس أنّه تحدٍّ لهما.
في مطلق الأحوال، بالرغم من تمهيد برّي لهذا الترشيح عبر إستبعاد المنافس الأبرز، أي قائد الجيش العماد جوزاف عون، من خلال الإصرار على أن انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً، ظروفه غير متوفّرة في الوقت الراهن، ما ينبغي التأكيد عليه هو أنّ فرنجية لا يملك حتى الآن أغلبية 65 صوتاً لانتخابه، في حين أن هناك صعوبة كبيرة في توفير نصاب جلسة الإنتخاب، أيّ 86 نائباً، بعد أن رفعت العديد من الكتل النّيابية سلاح التعطيل بوجهه.
في هذا الإطار، تشير مصادر سيّاسية مطّلعة، عبر "النشرة"، إلى أن تبنّي ترشيح فرنجية رسمياً، سمح لقوى الثامن من آذار بنقل تهمة التعطيل إلى الفريق الآخر، حيث بات لدى هذه القوى مرشحها التي تجاهر به وتسعى لإيصاله إلى القصر الجمهوري، في حين أن باقي الأفرقاء غير متّفقين على أيّ إسم آخر، لا سيّما بعد تراجع أسهم رئيس حركة "الاستقلال" النائب ميشال معوض، نتيجة خروج "الحزب التقدّمي الإشتراكي" من دائرة مؤيّديه.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ تزامن هذا الأمر مع تلويح معارضي فرنجيّة بخيار تعطيل جلسة الإنتخاب، يصبّ في صالح قوى الثامن من آذار على المستويين الخارجي والداخلي، فهي باتت تستطيع أن ترمي كرة الفراغ على هؤلاء، بالإضافة إلى تحميلهم مسؤوليّة أيّ تدهور من الممكن أن يحصل على مستوى الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، على قاعدة أن هؤلاء يرفضون الحوار وليس لديهم أيّ مرشح جدّي يخوضون فيه الإستحقاق.
عند هذه النقطة من الضروري التوقّف عند معطيين أساسيين: الأول هو دعوة رئيس المجلس النيابي المتكرّر، بعد تبنّي الترشيح، الآخرين إلى الإتفاق على مرشح أو أكثر، للنزول إلى المجلس النّيابي والإحتكام إلى اللعبة الديمقراطيّة، أما الثاني فهو إقتراح السيد نصرالله أن "تسمّي كلّ جهة مرشّحها للرئاسة ونذهب إلى مجلس النواب، فإن حضر النصاب ننتخب الرئيس مباشرة".
بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، في الشكل يمكن إعتبار ذلك تحولاً كبيراً في مقاربة الإستحقاق الرئاسي، لكن من الناحية العملية لا يمكن توقع أن يسلم أي فريق بهذه المعادلة بسهولة، على إعتبار أن ليس هناك من هو مستعد، سواء في الداخل أو الخارج، لتقديم هدايا مجانيّة إلى خصومه، وبالتالي من المستبعد أن يؤمن أي فريق النصاب لإنتخاب رئيس معارض له، وتضيف: "حتّى الثنائي سيتراجع عن هذه المقاربة، في حال توفرت أكثرية لصالح مرشح غير محسوب عليه".
في المحصّلة، تستبعد هذه المصادر تكرار سيناريو ما حصل مع فرنجيّة "الجدّ" مع فرنجيّة "الحفيد"، حيث تشير إلى أن لا رئيس للجمهوريّة قبل الوصول إلى تسوية ما، لا بل تذهب أبعد من ذلك للحديث عن التداعيات التي من الممكن أن تترتّب على ذلك، حيث تشير إلى أنّ مثل هذه الخطوة لن تقود إلى معالجة الواقع الّذي تمرّ فيه البلاد، بل على العكس من ذلك من المرجّح أن تؤدّي إلى المزيد من التدهور والتشنّج.