شهد الجنوب اللبناني في الفترة الاخيرة، احداثاً لم يشهدها من قبل على مرّ التاريخ، وهي لا ترتبط بالازمة اللبنانية الخانقة التي يعيشها البلد وشعبه على الصعد كافة اقتصادياً ومالياً ومعيشياً... بل تتعلق بالصراع مع اسرائيل وتحديداً مع الهالة الكبيرة التي كانت قائمة حول القوات العسكريّة الاسرائيليّة. من عيتا الشعب الى حولا، تكسّرت صورة القوات الاسرائيلية بشكل كبير، ليس على يد حزب الله، بل على يد الجيش اللبناني والشعب. ففي عيتا الشعب اجبرت قوة من الجيش اللبناني قوة اسرائيليّة على الانسحاب، فيما نزع ضابط من الجيش وتداً حديدياً وضعه ضابط اسرائيلي، وهو امر بالغ الاهميّة من الناحية المعنويّة. امّا في حولا، فقد استطاع شاب من انتزاع مخزن رصاص من بندقية جندي اسرائيلي.
الحادثتان اعترفت بهما اسرائيل، ولكن تداعياتهما اكبر بكثير، وتحملان، وفق ما يقول مصدر سياسي مطلع، اكثر من اشارة الى واقع الوضع في الجنوب. ووفق المصدر نفسه، فإنّ هذه الاحداث تعكس مدى المأزق الذي تعيشه اسرائيل حالياً بسبب الخلاف الداخلي الكبير مع رئئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو وقراراته التي شقّت وحدة الاسرائيليين، وباتت تهدّد نقطة الالتقاء الوحيدة لديهم وهي الجيش، فالعبث بمعنويات الجيش وصورته هو بمثابة التعرّض لحجر الزاوية للكيان الاسرائيلي ككل.
اما في لبنان، فيرى المصدر السياسي انّ الجيش اللبناني كسب دفعة معنويّة كبيرة من خلال ما قام به، وعلى الرغم من انه من المبكر جداً مقارنته بالجيش الاسرائيلي من حيث العدّة والعتاد، الا ان المواجهة اثبتت ان لا "عقدة خوف" من القوات الاسرائيليّة، وهو امر مهم جداً لجيش بعتاد واسلحة متواضعة في مهمّة حماية حدود من مطامع بجيش بحجم وقوة الجيش الاسرائيلي. ويكمل في شرح رؤيته للوضع الجنوبي، فيشدّد المصدر على انّ ما حصل في حولا قضى نهائياً على ما كان يسمى بـ"عقدة الخوف"، اذ لم نسمع يوماً انّ مدنياً عربياً نجح في اخذ مخزن رصاص من بندقيّة جندي اسرائيلي من دون أيّ عواقب (فلو حصل الامر نفسه مع فلسطيني لكانت النتائج مؤسفة بالنسبة الى المدني وعائلته ومدينته)، وهذا قد يؤشّر الى انّ معنويات الجيش الاسرائيلي انخفضت الى ادنى مستوياتها، وبالتالي فإنّ التهويل بالحرب والويل ليس في مكانه، وكل ما يمكن ان تفعله القوات الاسرائيليّة هو اعتماد الحرب من بعيد (طائرات، صواريخ...) وتفادي التورّط في معارك برّية والتلاحم مع جيوش وقوى عسكريّة اخرى.
وعلى الرغم من كل ذلك، لا يزال المصدر يؤكّد ان امكان البحث في حلّ "المقاومة" والاستعاضة عنها بالجيش اللبناني لا يزال غير قابل للبحث حالياً، ولا يمكن طرحه لاعتبارات عسكريّة وسيّاسية عديدة، وبالتالي ستبقى في وضعها الحالي، ولكن ما تغيّر بالفعل، هو انّ معادلة الجيش والشعب والمقاومة عادت الى الحياة من دون قصد، بعد ان تعرّضت للكثير من الانتقادات والتشكيك بفائدتها، ولو انّ كل طرف يتعاطى معها من وجهة نظر مختلفة. فبالنسبة الى حزب الله، يرى المصدر انّه استفاد من الاحداث للقول بأنّ هذه المعادلة هي التي تحمي لبنان، وانّ اضعاف أيّ طرف منها سيؤدي الى زعزعة الطرفين الآخرين. في المقابل، يرى البعض ان هذه المعادلة صحيحة انما مع اعطاء الاولوية والافضليّة للجيش الذي اثبت نفسه اكثر من مرة في الجنوب، ويجب ان يعطى الثقة الكاملة لحماية الحدود، وان توضع كل الاسلحة والقوى العسكريّة والشعبية تحت امرته.
مع انكسار الهالة التي احاطت بالجيش الاسرائيلي، لم يعرف لبنان بعد الاستفادة من المسألة، فالانقسام في الصفوف الاسرائيليّة يقابله شرخ كبير في الصفوف اللبنانيّة ما يؤذي مصالح لبنان وشعبه ويفوّت فرصة تاريخية قد لا تتكرّر لتحقيق مكاسب سيّاسية ودبلوماسيّة كبيرة جداً، ومن له اذنان سامعتان... فليسمع.