بكثير من الكتمان تفاوض الإيرانيون مع السعوديين برعاية أكثر من جهة، فتم التوصل الى اتفاق "تاريخي"، عمل لأجله الروس والصينيون في دلالة كبرى حول أهميته وأهدافه، وبنفس الوقت، خطورته، كون ما جرى يخلط كل الأوراق عالميًّا.
قبل وصول الرئيس الأميركي جو بايدن الى سدّة الرئاسة، قام سلفه دونالد ترامب بابتزاز كل دول الخليج، وعلى رأسهم السعوديّة في واقعة باتت معروفة اليوم عندما قال لهم عليكم أن تدفعوا مقابل الحماية من إيران، ومقابل السلاح لحرب اليمن، وكانوا حتى اليوم يستمرّون بالدفع لتحمّل كلفة الحرب الباهظة.
هذه الواقعة على ما يبدو غيّرت في مفاهيم استراتيجيّة كبيرة لدى السعوديين، فبعد انتهاء ولاية ترامب وبداية ولاية بايدن كان واضحاً ان السعوديين في مكان بعيد عن الأميركيين، ومن ثم جاءت الحرب الروسية–الأوكرانية لتؤكّد ذلك، من خلال امتناع ولي العهد محمد بن سلمان عن تنفيذ رغبات الأميركي النفطية، وتتجه الى الخصم المباشر للأميركي، أي الصين لتوقع معهم اتفاقيات استراتيجيّة في كانون الاول من العام الماضي يوم زار الرئيس الصيني شي جين بينغ المملكة السعودية.
بحسب مصادر مطّلعة فإن العلاقة بين السعوديين والصينيين تبدلت منذ ذلك التاريخ، في لحظة انطلاق أعمال القمة العربية–الصينية في الرياض، حيث كانت شرارة بدء محادثات جدية بين الطرفين لتقارب أكبر، لا يمكن أن تكون إيران خارجه، لذلك تكشف المصادر أن الصينيين فاتحوا السعوديين بمسألة العلاقات مع إيران بدايّة العام الجاري، مشددين لهم على ضرورة التوصل الى اتفاق سعودي-ايراني.
كانت المشاورات تجري على قدم وساق بظلّ كتمان شديد ربّما قلّ نظيره في السياسات الدوليّة، مشاورات شملت الروس أيضاً الذين كان لهم الدور في تخفيف حدّة طهران تجاه مسائل معينة، لتصل الاطراف جميعها بالنهاية الى اعلان الاتفاق، ومنح مهلة 60 يوماً لتنفيذه، على أن يقدم الفريقان خلالها بوادر ايجابية وحسنة النية في أكثر من ملف في المنطقة، على رأسها اليمن. لكن بحسب المصادر فإن المشهد لن يكون وردياً هكذا.
تقول المصادر عبر "النشرة": "ما قامت به السعودية في الصين مع ايران أمراً بالغ الأهمية في النظام السياسي العالمي، لا تقتصر مفاعيله على الشرق الأوسط، فالصين القوّة الاقتصاديّة الصاعدة بوجه الاميركيين، تمهّد طريقها الاقتصادي الذي يضمّ ايران والمملكة، بالتعاون والتكامل مع روسيا، فهل ستقف أميركا في موقع المتفرّج على ما يجري أم سيكون لها تحركات تحاول الردّ فيها على هذا الزلزال"؟.
ترى المصادر أن الضرر الذي يتوقع ان يُصيب الاميركيين جراء الاتفاق وهوية رُعاته، يجعل ردّها أكيداً، إنما غير واضح بعد كيف وأين ولماذا، مشيرة الى أنّ الضرر أصاب اسرائيل أيضاً، فهي الجّهة التي كانت تسعى للتحالف والتقارب مع العرب لمواجهة إيران، فكيف تتصرّف اليوم، وهل تردّ عسكرياً في ضربة مجنونة تخلط الأوراق بالشرق الأوسط؟ هل ترد أميركا في لبنان عبر التصعيد في مسار الحرب الاقتصاديّة، ومنع الحلول، أم تحاول استلحاق ما حصل من خلال الحديث مع السعوديين والسعي لركوب "الموجة" من خلال عودة المشاورات النوويّة مع ايران، بعد اقتراب نجاح المفاوضات حول تبادل ثلاثة أسرى أميركيين في طهران، مقابل الإفراج عن 10 مليارات دولار محجوزة للجمهورية الإسلامية في الخارج؟.