على الرغم من الرهانات الكبيرة التي وضعت من قبل بعض الأفرقاء اللبنانيين، لا سيما الداعمين لترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، بعد الإعلان عن الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، لم تتأخر حركة السفير السعودي في لبنان وليد بخاري في الظهور، حيث كان أبرزها زيارته الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتي تصب في إطار التمسك بالمواصفات الرئاسية لا الشخص، في حين كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء يسجل المزيد من الأرقام القياسية متجاوزاً عتبة 100 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد.
في هذا الإطار، يبدو أنّ السفير السعودي حرص على إبلاغ رئيس المجلس النيابي، الذي كان أول المبادرين إلى تبني ترشيح رئيس تيار "المردة"، أنّ بلاده لا تزال مصرة على المعادلة التي سبقت التفاهم مع إيران، التي تبدأ من وجوب إعتماد اللبنانيين أنفسهم على خارطة طريق إنقاذيّة تبدأ من إنتخاب رئيس توافقي من خارج مرشحي المنظومة السّياسية، وتشكيل حكومة قادرة على مواكبة العهد الجديد بخطوات إصلاحيّة تلاقي المطالب الدوليّة ومستلزمات الإتفاق مع صندوق النقد.
في هذا السياق، ترى مصادر نيابية متابعة، عبر "النشرة"، أن الإصرار على هذه المعادلة يدفع إلى إعادة قراءة ظروف ترشيح فرنجيّة بطريقة أخرى، حيث ترجح أن يكون الثنائي الشيعي كان على علم مسبق بالتطورات المنتظرة، لا سيما "حزب الله"، الأمر الذي دفعه إلى رمي هذه الورقة قبل الإعلان عنها، على قاعدة أن تكون منطلقاً للتفاوض، سواء قاد ذلك إلى إنتخابه وفقاً لمعادلة المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، أو إلى التراجع عن هذا الترشيح في مرحلة لاحقة للذهاب إلى شخصية أخرى يغلب عليها الطابع التوافقي.
من وجهة نظر هذه المصادر، حديث بري عن الأسباب التي دفعت إلى تبني ترشيح رئيس تيار "المردة"، مباشرة بعد لقائه بخاري، بالإضافة إلى المواصفات التي يتمتع بها الرجل، تدفع إلى الإعتقاد بأنه لا يزال المرشح الأول في السباق الرئاسي، بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار تحديداً، ما يعني أن الأمور مرشحة إلى المزيد من الأخذ والرد في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ تداعيات الإتفاق السعودي الإيراني من غير المتوقع أن تظهر، لا سيما على الصعيد اللبناني، خلال وقت قصير، وبالتالي قد يكون الدخول في مرحلة إنتظار، تتخلها بعض المناوشات السياسية الداخلية.
بعيداً عن الساحة اللبنانية، يبدو أن ملف العلاقات السعودية الإيرانية سيكون، في الأيام المقبلة، على موعد مع حالة من الترقّب، لمواكبة الترجمة العمليّة لما تم الإتفاق عليه، في بكين، على مستوى ملفات المنطقة التي يتشارك فيها الجانبان النفوذ والقدرة على التأثير، والتي لا يبدو أنّ الملف المحلّي هو على رأسها.
على هذا الصعيد، تتوقف مصادر سياسية، عبر "النشرة"، عند التداعيات التي تلت الإعلان عن هذا الإتفاق على المستوى المالي، حيث تشير إلى الإرتفاع المستمر في سعر صرف الدولار بشكل سريع، في حين أنه كان من المفترض أن يشهد إنخفاضاً ربطاً بالتطورات الإيجابيّة التي يتمّ التداول بها، الأمر الذي يذكر بما كان قد حصل بعد الإعلان عن إتّفاق ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة، برعاية أميركيّة، مع إسرائيل، وترى أن ما يحصل قد يكون مؤشراً على أن البلاد ذاهبة إلى مرحلة من الكباش السياسي الكبير، الذي يصب في إتجاه زيادة الضغوط بهدف الوصول إلى تسوية سيّاسية.
في المحصّلة، تعود هذه المصادر إلى التذكير بوجود العديد من اللاعبين، الإقليميين والدوليين، المؤثرين في لبنان، الأمر الذي لا يمكن تجاهله بأيّ شكل من الأشكال، بالتزامن مع تشديدها على أنّ الإتفاق السعودي الإيراني لم يتجاوز، حتى الآن، إعلان النوايا، حيث من الممكن أن يستمر الصراع غير المباشر في أكثر من ساحة إقليمية، كما من الممكن أن يمهّد الطريق إلى تسويات حول العديد من الملفات العالقة، وبالتالي الأمور لا تزال مفتوحة على كافة السيناريوهات.