على وقع حالة الإستعصاء القائمة على الصعيد الرئاسي، سواء كان ذلك محلياً أو خارجياً، تستمر بعض الجهات في طرح نظرية "الرئيس التكنوقراطي"، التي ترتبط عادة بالحديث عن "رئيس توافقي" من خارج هذا الفريق أو ذاك، وهو ما يتم التعبير عنه، في بعض الأدبيات، بالرئيس الذي "لا طعم ولا لون له"، مع العلم أن بعض الشخصيات المطروحة، من قبل العديد من الأفرقاء، لا تنطبق عليها هذه المواصفات، لكن يراد إلباسها لها لتعزيز فرصها في السباق الرئاسي الحالي.
الخيار "التكنوقراطي" كان قد برز على المستوى السياسي اللبناني، على نحو كبير، بعد إنتفاضة السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، حيث عمدت الجماهير التي كانت محتشدة في الساحات، بشكل غير عفوي طبعاً، إلى ترداد هذا المطلب بعد إستقالة حكومة سعد الحريري، إنطلاقاً من الرغبة في توزير شخصيات لا تنتمي إلى القوى والأحزاب السياسية، الأمر الذي لم يتحقّق كلياً في الحكومات التي تشكلت بعد ذلك، على قاعدة أن كل ما هو ينتمي إلى الأحزاب "سيّء" أو "فاسد".
إنطلاقاً من ذلك، من الضروري السؤال، قبل طرح معادلة الرئيس "التكنوقراطي" التي تتطلب بحثاً مفصلاً في المواصفات التي يجب أن تنطبق عليه، عما إذا كانت تجربة الوزراء "التكنوقراط" قد نجحت، للمطالبة بتعميمها على المنصب الأول في الجمهورية، على إعتبار أن هناك شبه توافق على أنها لم تكن على قدر الآمال والرهانات التي علقت عليها، بل على العكس هناك من يرى أن الهدف منها كان إبعاد بعض الأفرقاء عن السلطة، مع العلم أن المواقع القيادية تحتاج دائماً إلى قائد.
بالنسبة إلى الكثيرين، هذا النوع من "الرؤساء" سيكون بمثابة الشخصيّة التي من الممكن أن تسيطر عليها القوى السياسية، خصوصاً تلك التي ساهمت في إيصاله القصر الجمهوري، نظراً إلى أنه سيكون في الموقع الضعيف أمامها، وعرضة لتقلب الآراء والمواقف السياسية، بحسب المصلحة والمرحلة، مع إحتمال الإنقلاب على من انتخبه أيضاً، على إعتبار أنه لن يكون ملتزماً بأيّ توجه، الأمر الذي قد يؤدّي، في ظلّ الإنقسامات المعروفة، إلى أزمات حادّة عند كل مفترق.
في مقابل نظرية الرئيس "التكنوقراطي" تأتي نظرية الرئيس "السياسي" أو "الملتزم"، التي يعتبر البعض أنها أفضل من الأولى حتى ولو كان الشخص المعني ينتمي إلى الفريق الآخر، على إعتبار أنه ستكون لديه القدرة على إتخاذ القرارات الصعبة، بدل الغموض أو الرمادية التي تسيطر غالباً على مواقف "التكنوقراط"، كما أنه من السهل الذهاب إلى عقد تفاهمات مع هذا النوع من الشخصيات، خصوصاً إذا ما كانت تمتلك التمثيل الذي تستند إليه.
في هذه النظرية، الأهم، ولو كان ذلك على المستوى النظري، هو القدرة على محاسبة هذا النوع من الرؤساء أو الفريق السياسي الذي ينتمي إليه في الإنتخابات النيابية، بينما في النوع الآخر ليس هناك من قدرة على المحاسبة، من دون تجاهل عامل تأثر "التكنوقراطي"، على نحو أكبر، بالضغوط الخارجيّة، التي قد تعصف في أيّ لحظة، لا سيما أنّ المنطقة قد تكون، في المرحلة المقبلة، على موعد مع مجموعة واسعة من التحولات.
في المحصّلة، يبقى الأساس هو المعادلة التي ستصل وفقها أي شخصية إلى رئاسة الجمهورية، هل هي نتاج تسوية شاملة أو مرحلية؟! نظراً إلى أن وصول أي شخصية من خارج إطار أي تسوية يعني أنه من الصعب أن يكتب لها النجاح، حيث النوع الأول من التسويات يعزز الخيار "السياسي"، بينما الثاني يعزز خيار الرئيس "التكنوقراطي"، على إعتبار أن المطلوب تمرير مرحلة لا أكثر.