منذ قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بطلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري تأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي، تحولت هذه المسألة إلى موضع إنقسام طائفي بين اللبنانيين، لدرجة باتت مواقع التواصل الإجتماعي جبهات حرب يتنافس فيها المتصارعون على التحريض وبثّ سمومهم، الأمر الذي تورّط فيه، مع الأسف، بعض رجال الدين، بدل أن تكون مهمّتهم الأساسية العمل على تهدئة النفوس، ومنع إنجرار المواطنين إلى هذا النوع من السجالات.
في ظلّ الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة الصعبة التي يمر بها اللبنانيون، قد يكون من الصادم أن يتخلوا عن همومهم اليومية، للدخول في معارك حول التوقيت الواجب إتّباعه، سواء كان الصيفي أو الشتوي، وكأنّ هذا التوقيت أو ذاك سيساعدهم في تأمين قوت يومهم، بالإضافة إلى طبابتهم والتعليم المناسب لأبنائهم.
في هذا السياق، من المستغرب أن يضيع صوت العقل في هكذا ظروف لتسيطر لغة الغرائز دون سواها، الأمر الذي يضطر المرء إلى البحث طويلاً عمّن لا يزال يعتبر أن العقل هو الشرع الأعلى. فهل تستحق مسألة التوقيت، التي برزت نتيجة قرار عشوائي وإرتجالي، بالدرجة الأولى، الأمر الذي دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى الدعوة لجلسة حكوميّة مخصّصة لبحث هذه المسألة، كل هذا الإهتمام؟.
في هذا الإطار، يسخر خادم رعية مار يوسف في حارة حريك الخوري عصام ابراهيم، في حديث لـ"النشرة"، من السجال القائم، حيث يلفت إلى أنهم "يلهون المواطنين بالقشور بينما البلد إنهار"، وبالتالي "نحن اليوم نضيّع الطاسة"، ويضيف: "اليوم الناس ليس لديها الأموال لتؤمّن الأكل والشراب، بينما يراد منا أن نتحدث في هكذا موضوع، الأمر الذي يدعو إلى الخجل"، ويذهب أبعد من ذلك إلى حدّ وصف ما يحصل بـ"الكفر" و"الإلحاد".
بالنسبة إلى الخوري ابراهيم، ما يحصل يعني السعي إلى إضاعة الهدف الأساسي، بعد أن ضاع جنى عمر الناس، أيّ كرامة الإنسان، ويشدّد على أنّ القضايا التي من المفترض أن تشغل بال المواطنين هي المأكل والصحة والتربية، لا إدخالهم في سجالات من هذا النوع.
من جانبه، يؤكد المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب، في حديث لـ"النشرة"، أن ما يحصل غير منطقي، لكن مع الأسف البلد مشحون بالحساسيّات التافهة التي لا علاقة لها بهموم المواطن أو مشاكله الإجتماعية أو وضعه الإقتصادي، في حين أن هم السياسيين الوحيد هو أن يبقوا على زعاماتهم الخائفين من إهتزازها نتيجة الفساد الذي مارسوه، الأمر الذي يتطلب منهم شدّ العصب، ولذلك يبحثون عن أيّ وسيلة تحقق هذه الغاية، فيحولون مسألة كالتوقيت إلى قضيّة طائفيّة أو مذهبيّة، وكأنّ هذا الموضوع إسلامي أو مسيحي، بينما هو لا علاقة له لا بالإسلام ولا بالمسيحيّة، بل هناك مسؤولان بأبعادهما ومواقعهما السياسية أخذا هذا القرار.
بالنسبة إلى الشيخ طالب، ان ما يحصل هو نتيجة التنافس على السلطة، حيث المسيحيون يشعرون بأنهم إزيحوا عنها بسبب التأخر في إنتخاب رئيس الجمهورية، مع العلم أن هذا الإجراء لا يقدّم ولا يؤخّر لأنّ عدد ساعات الصوم يبقى على ما هو عليه، بغضّ النظر عن التوقيت المعتمد، لأنّ الأمر مرتبط بالشروق والغروب، ويضيف: "هذا موضوع تافه جداً لكن الساسة يشغّلون جماعاتهم بالأمور التافهة، من أجل إلهائهم عن الأمور الأساسية".
كما يعرب الشيخ طالب عن أسفه لتورط رجال دين من الجانبين في السجال القائم، لكنّه يوضح أنّ السبب في ذلك يعود إلى أن هؤلاء أتباع السياسيين الّذين وظّفوهم ولا يستطيعون الخروج منهم، وبالتالي هم صدى لصوت السياسي "الّذي يطبل وهم يزمّرون"، وهذا الأمر قائم عند رجال الدين من كل الطوائف.