من السذاجة والسخافة مقاربة مشكلة اعتماد التوقيت الصيفي او الشتوي في لبنان من باب الطائفية، او القول بأن المسيحيين انتصروا في مسعاهم او المسلمين في هذا المجال. سخيف هو من اعطى الامر صبغة طائفية، وسخيف هو من وقع في هذا الفخّ فاستنفر وغضب وصار ينادي بالتعصّب للدين، وهو لا يفقه فيه الا ما اختار ان يتستر خلفه للتسويق لحقده وجهله.
اين الطائفية في مسألة الساعة اكانت وفق التوقيت الصيفي او الشتوي؟ اذا كانت الذريعة في صيام المسلمين، فساعة لن تقدم او تؤخر، اضافة الى انه في السنوات الماضية عاش المسلمون صياماً صعباً حين كان شهر رمضان في اشهر الحر اللاهب، ومع ذلك لم يشتكوا من الصوم لانهم التزموا به كفعل ايمان. اما المسيحيين، فمن المؤكد ان ساعة لن تقدم او تؤخر بمفهوم صيامهم، وهو ما لا يختلف عليه اثنان. كما انه لم اجد في اي من الديانتين ما يعزز فرضية العلاقة بين الساعة وتأثيرها على المؤمنين.
فما الذريعة لتحويل المشكلة الى طائفيّة، وتصوير الامر وكأنّ المسيحيين انتصروا على المسلمين؟ انها تفاهة واستخفاف بالمشكلة الاساس التي تعود الى السياسة وطريقة ادارة البلاد وليس الى الطائفيّة. اساس المشكلة هي المقاربة الخاطئة التي تم فيها اتخاذ القرار، ولو انه يتعلق بالتوقيت، فقد بدا (وفق ما تم تسجيله خلال اللقاء) ان رئيس مجلس النواب نبيه بري هو الذي يتحكّم بمسار الامور في لبنان، فيما بدا انّ رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي منفذًا لطلبات بري، وهنا تكمن المشكلة. لم يتقدم اي من الرجلين بتفسير واضح او ذريعة منطقية لاتخاذ قرار عدم الالتزام بتقديم الساعة المعمول به منذ عقود طويلة من الزمن على الرغم من كل ما مر به لبنان من صعوبات ومشاكل، وكان طلب بري تأجيله كشهر من اجل الصائمين المسلمين، وهو بالتأكيد لا يتكلّم باسمهم (علماً انه كان قبل ايام فقط يتحدّث عن تزامن الصوم المسيحي مع الاسلامي وما يحمله الامر من معانٍ سامية). ولكن ما يجدر التوقف عنده هو جواب مقياتي على طلب بري، اذ قال انه كان بادر الى هذا الامر ولكن قيل له ان بري غير موافق عليه! وبالتالي، ظهر وكأنّ ميقاتي كان ينتظر فقط موافقة بري على الموضوع ليسير به.
هذا ما يجب التركيز عليه كمشكلة وليس اللعب بالساعة، لانّه يقيناً، لو كان تقديم الساعة او الابقاء عليها كما هي من شأنه ان يعود بالفائدة على اللبنانيين لجهة تراجع سعر صرف الدولار او حلحلة الاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية، او ايجاد حلّ لمشكلة المودعين والمصارف، او حتى ازالة العوائق امام انتخاب رئيس للجمهورية وانتظام الحياة السياسية، لما اعترض احد من المسلمين او المسيحيين على الامر. الا انّ البعض تخوف من امر آخر وهو تقديم مادّة سجال كافية لإلهاء الناس لبعض الوقت، عن المواضيع الاخرى البارزة، فيما وضعها آخرون في خانة "الرسالة" من برّي بأنّه لم ينسَ إفشال دعوته الى الحوار، والوقوف في وجهه في العديد من المسائل، فكان القرار بمثابة تذكير بأنّه لا يزال الرجل القوي في لبنان الذي لا يمكن تخطّيه.
من الطبيعي ان يتم تحويل الامور الى مشاكل طائفيّة، لانّها الحل الانسب لضمان خلق شرخ بين اللبنانيين (وللمفارقة التقى رجال دين مسيحيين ومسلمين للاحتفال بعيد بشارة السيدة العذارء، في خضم السجال الطائفي حول مسألة الساعة)، وتبيّن بما لا يقبل الشك ان غالبيّة اللبنانيين يتعاملون بهشاشة واضحة مع المواضيع وهم مستعدون لاضفاء الصبغة الطائفيّة عليها اياً يكن نوعها، وحتى لو كان الموضوع لا يمتّ الى الايمان او العقيدة بصلة. وهكذا، بين السياسة والطائفية ضاعت الساعة، ساعة خلاص لبنان وساعة الالتقاء حول هدف واحد فقط هو تأمين الحياة الكريمة للبنانيين...