على الرغم من الخطابات التصعيديّة التي تشهدها الساحة المحلّية، ربطاً بالإستحقاق الرئاسي، لا يمكن تجاهل التطورات القائمة على الصعيد الخارجي، حيث تتسارع وتيرة الإتصالات والمشاورات المتعلقة بالملف اللبناني، إنطلاقاً من التحولات التي تشهدها الساحة الإقليمية، لا سيما بعد الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية.
إنطلاقاً من ذلك، باتت أسهم المرشحين تتبدل بين لحظة وأخرى، على وقع التطورات والتكهنات التي يعبر عنها الكثيرون في المرحلة الراهنة، لكن في حقيقة الأمر ليس هناك ما هو محسوم حتى الساعة، باستثناء بعض المواصفات الجديدة التي دخلت على الخط، في حين أن ما يحصل على المستوى الداخلي يصب في إطار رسم حدود ما هو مقبول أو غير مقبول، بالتزامن مع رفع الثمن المطلوب من أجل الذهاب إلى التسوية.
في هذا السياق، تكشف مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن ما يمكن التأكيد عليه هو وجود حراك خارجي جدّي، هدفه البحث في إمكانيّة الوصول إلى تسوية سريعة، تقود إلى إنتخاب الرئيس المقبل، لا سيّما أن البلاد، في المستقبل القريب، ستكون على موعد مع مجموعة من الإستحقاقات المهمّة، وبالتالي لم يعد من الممكن الذهاب إلى المزيد من التأخير أو المماطلة، بل على العكس من ذلك هناك مؤشرات على أن البحث الجدي إنطلق.
بالإضافة إلى ذلك، تشير هذه المصادر إلى أنّه لم يعد من الوارد الذهاب إلى أيّ خيار قد يصنف على أساس أنه مستفز أو يمثل تحدياً لأي فريق، على إعتبار أن هذا الأمر يناقض الأجواء القائمة على المستوى الإقليمي، حيث السعي، لا سيما بين الرياض وطهران، إلى إعادة ترتيب العلاقات بين الجانبين، من دون تجاهل عامل أنّ العديد من الجّهات الدوليّة الأخرى، خصوصاً فرنسا، ليس لديها أيّ مصلحة في الذهاب إلى تفجير الأوضاع المحلّية.
طوال الأيام الماضية، إنشغلت الأوساط السياسية المحلية بعملية رفع السقوف المتبادلة، سواء كان ذلك من جانب القوى المؤيّدة للمرشّح الأبرز، أيّ رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، أو من جانب القوى المعارضة لهذا الترشيح، تحديداً على الساحة المسيحية، حيث بات ينظر إلى الترشيح على أساس أنه مستفزّ لهذا المكوّن، الأمر الذي لا يمكن أن يمرّ بسهولة.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، ما يمكن الحديث عنه راهنا، هو أن هناك شبه توافق، غير معلن، على أن المطلوب الذهاب إلى شخصية سياسيّة قادرة على مواكبة التطورات القائمة في المحيط، على إعتبار أن ما يطرح، بالنسبة إلى من يصنفون على أساس أنهم في الموقع "الوسطي" أو "التكنوقراط" غير واقعي، لأنّهم لن يكونوا قادرين على تلبية هذه المهمة، خصوصاً أن هذه الخيارات لا تحظى بثقة غالبية الأفرقاء الفاعلين، بسبب عدم قدرتها على الإلتزام أو إحتمال إنتقالها من ضفة إلى أخرى في أيّ لحظة.
على هذا الصعيد، تشير هذه المصادر إلى أنّ "البروفايل" الذي يتقدّم هو الّذي يمثل الشخصيّة السّياسية غير المستفزة، حتى ولو كانت ملتزمة بخط سياسي محدّد، على إعتبار أنّ الإلتزام لا يعني عدم القدرة على التواصل مع جميع الأفرقاء أو العمل على تدوير الزوايا بشكل يعيد إنتاج السلطة السّياسية في البلاد، وهو ما قد يتوافق، بشكل أو بآخر، مع فكرة المقايضة التي كانت باريس قد عملت على الترويج لها في الفترة الماضية، لكن في مع فارق بسيط يتعلق بالشخصيّة القادرة على أن تؤمّن تقاطعا واسعا على تأييدها محلياً، حتى ولو لم تنجح في توفير الإجماع.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بعدم القدرة على الفصل بين التطورات المحلّية والخارجيّة، وبالتالي ستكون هذه المعطيات لها تداعياتها أو تأثيراتها على الإستحقاق الرئاسي، ويجب أن تؤخذ بعين الإعتبار عند البحث الجدي في الأسماء التي من الممكن أن يتم التوافق عليها، على قاعدة عدم القدرة على أن يكون مسار الأحداث في لبنان مخالفاً لذلك القائم في الإقليم.