انشغل اللبنانيون في اليومين الماضيين بزيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي الى بيروت، وسلسلة اللقاءات التي عقدها. ليس من الغريب ان يبرز الاهتمام القطري ببيروت، ولعل ابرز ما تم تسجيله في هذا المجال، ما تحقّق في ايار من العام 2008، حين التقى الزعماء والمسؤولين اللبنانيين في العاصمة القطريّة لانجاز ما تم تسميته "اتفاق الدوحة".
ومع كثرة التحليلات والكلام عن الاهداف التي يحملها المسؤول القطري الى لبنان، تجزم شخصية لبنانية مطلعة على ما يدار في الكواليس السياسية، بأنّ التسوية وضعت على السكّة، وان السعوديّة لن تلعب الدور الذي كانت تلعبه سابقاً لجهة تمويل التسويات في لبنان، وانّ قطر باتت هي البديلة. وتضيف الشخصيّة المعنيّة انّ الموفد القطري يستشرف آفاق التسوية التي ستتولّى بلاده انجاحها من الناحية الماليّة، وهي تحاول ايضاً التدخل في المقاربة السياسية و"الوساطة" الدائرة محلياً واقليمياً ودولياً، على امل ان تتبلور الامور في الاسابيع القليلة المقبلة، وقد تصادف ايضاً في الذكرى السنوية الـ15 لاتفاق الدوحة. لكن الدور الذي ستلعبه قطر هذه المرّة يختلف نوعاً ما عن الدور الذي لعبته عام 2008، وقد يقول اللبنانيون مجدداً "شكراً قطر" انما بصيغة اخرى، ولدور آخر. فالقطريون لم يبدأوا تحركهم قبل حصولهم على ضوء اخضر دولي-خليجي، بمعنى انهم غير متحمّسين لافتعال مشكلة جديدة مع السعوديّة، وبالتّالي فإن الموقف السعودي المستجدّ من الوضع اللبناني ساهم بشكل اساسي في تفعيل تحرّكهم، كما انّ الحركة على الخط الدولي لتفعيل التقارب من اجل حلّ في لبنان، افضت الى اتّخاذ القرار القطري برفع مستوى الانخراط في النشاط القائم لتحرك المياه في الشأن اللبناني. ووفق المعلومات التي يتمّ تداولها، كما نقلت الشخصية نفسها، فإنّ الاهتمام بلبنان يسير وفق سيناريوهين اثنين: الحلّ السريع ويقوم على تعزيز كبير للاتصالات الداخليّة والدوليّة لتذليل العقبات بسرعة والوصول الى تسوية تبدأ مفاعيلها بالظهور بعد الاعياد ايّ مع انتصاف شهر نيسان الحالي. اما السيناريو الثاني ايّ الحل الابطأ، فيقوم على استمرار الاتصالات بوتيرة أقل، وانتظار نضوج الاتفاق على تسوية يتمّ بعدها عقد مؤتمر للبنانيين على غرار مؤتمر الدوحة، للخروج بالحلّ المنشود والّذي سيكون ركيزة الاساس للبدء بتخفيف حدّة الازمة الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة التي استقرت فوق لبنان منذ اكثر من ثلاث سنوات، ولا تزال. وفي السيناريوهين، فإن الدور القطري اساسي كونه سيهتمّ بالقسم الاكبر من التمويل لتحقيق التسوية المرجوّة، وربما العمل على المساهمة في توفير بعض الضمانات الاضافيّة المطلوبة.
ولكن، على الرغم من ضلوع قطر بدور مهم، الا انها لا تريد حالياً ان تأخذ الدور السعودي في لبنان، وذلك لعلمها بأنّ الحلول محلّ الرياض في البلد هو امر بالغ الصعوبة بسبب ما تمثله السعودية من الناحية الدينيّة لقسم كبير من اللبنانيين، كما للدور السياسي الذي لعبته المملكة على مدى عقود طويلة من الزمن، بحيث ليس من السهل اقناع شريحة من اللبنانيين بأنّ هذا الدور سيخفّ وستعمل دولة اخرى على تعبئة الفراغ، فالامر يتطلب سنوات وسنوات حتى بعد "الضياع" الذي ساد في لبنان بفعل السياسة السعودية التي اعتمدت في السنوات الثلاث الماضية، والتي لم يستوعبها اهل السنّة اولاً وباقي الطوائف ثانية، مع ابتعاد الرياض عن الساحة اللبنانية، قبل ان تعود بالزخم اللازم لاستعادة ما خسرته وكاد ان يحجّم دورها في لبنان الى الحد الادنى.
ويمكن القول حالياً ان المسألة تحولت الى "لعبة وقت"، انما مع تحوّل مهمّ وهو انّ الحركة باتت علنيّة والوتيرة اصبحت اسرع من قبل، فهل نصل الى شهر أيّار لقطف التسوية أم علينا الانتظار لوقت اطول حتى انعقاد المؤتمر الجديد؟.