تُعتَبَر ظاهرة الإدمان على المخدرات من أسوأ الظواهر المجتمعيّة على الإطلاق، حيث تتزايد المؤشّرات التي تدلّ على ارتفاع نسبة مدمني المخدرات في لبنان، وحتى الآن لا يمكن تحديد أعدادهم، فحسب تقارير الأمم المتحدة، إنّ نسبة متعاطي المخدرات في لبنان تجاوزت الضّعفين خلال العامين الماضيين مقارنةً بالسنوات الماضية، وتشير الاحصائيات والدراسات المختصّة أنّ هناك ما يقارب 60٪ من المتعاطين من الفئة العمرية 16 الى 35 عاماً. لقد وصل الادمان بين الشباب والمراهقين، الذين هم أسهل صيد لتجّار المخدّرات، إلى شرائها من المدارس والجامعات حيث يتمّ ترويجها وتكون في متناول اليد وغبّ الطلب (من خلال "الدليفري").
الأسباب والنتيجة
في حين أنّ هذه المشكلة تزداد انتشاراً، عدّة عوامل نفسيّة واجتماعيّة تلعب دوراً في دفع الشباب إلى تعاطي المخدرات. عن هذه الأسباب تتحدّث الأخصّائيّة النفسيّة سابين الصبّاغ، حيث لفتت إلى أنّ عوامل عديدة تقف وراء تحوّل الأشخاص من طبيعيين إلى مدمنين، على رأسها التفكّك الأسري وإهمال الأهل وانشغالهم عن متابعة أبنائهم، يليها الاكتئاب والقلق حيث قد يستخدم الأشخاص المخدرات كوسيلة للتخلّص من الحالة التي يشعرون بها، بينما الهروب من الواقع يجعلهم يلجأون إلى المواد المخدّرة لتجنّب التعامل مع مشاكلهم الشخصيّة، كما يمكن أن يدفع الضغط الاجتماعي الأشخاص إلى استخدام المخدرات كوسيلة للتكيّف مع المجتمع أو للشعور بالانتماء. بالإضافة إلى رغبة التعرّف على ملّذات جديدة وفضولهم لتجربة شعور excitation أو inhibition. وختمت الصبّاغ: "من المهمّ أن نلفت الانتباه إلى أنّ المواد المخدّرة حتى ولو ليس لديها أثر بيولوجي، إلّا أنها يمكن أن تؤدي إلى إدمان على الصعيد النفسي بحسب هشاشة الشخص النفسيّة".
أمّا بالنّسبة للدولة، فحدّث ولا حرج، فإن سياستها حول العقوبات تضر المتعاطي أكثر ممّا تفيده، إذ أنّه من غير المقبول أن يُسجَن مع مجرمين بدلاً من أن يذهب إلى إصلاحية أو مركز تأهيل. خالد( 35 سنة)، مدمن سابق، يقول: "في أنواع من المخدّرات بتلاقيها بالحبس ما بتلاقيها برّا". وحول تأثير السجن على المتعاطي، يضيف: "الشخص المدمن بِفوت متعاطي عالحبس بيطلَع مروّج". وهذا يثبت أنّ السجن ليس الحلّ للتخلّص من مرض الإدمان.
نتيجة تقاعس الدولة عن واجباتها بإنشاء مراكز لإعادة تأهيل المدمنين، تمّ إنشاء مراكز خاصّة ومستقلّة (حوالي 8 مراكز مسجّلة في الدولة)، تعتمد على دعم الجمعيّات، البعثات الأجنبيّة وعلى الدعم الفردي من خلال الخيّرين وهذا بسبب تقصير وزارة الشؤون الإجتماعيّة بتقديم الدعم الكافي لها. فبحسب الوزير السابق بيار بو عاصي "إنّ موازنة الوزارة هي واحد بالمئة من موازنة الدولة اللبنانيّة فقط".
غير أنّ نظام التأهيل يختلف بين مركز وآخر. أمّا بالنسبة لأنواع التأهيل تكشف لنا مسؤولة قسم التأهيل في جمعيّة نسروتو الأناشيد السيدة ديما مطران أنها تنقسم إلى قسمين: داخلي وخارجي، في القسم الأوّل، يبقى المدمن في المركز لمدّة 12 شهرا لتلقّي العلاج اللّازم، حيث يقضي 9 أشهر منهم داخل المركز، والفترة المتبقّية يعود تدريجيّاً لينخرط بالحياة وللبحث عن عمل. والقسم الثاني يُتابَع المدمن نفسيّاً في المركز مع الخضوع لـ"Drug test" بصورة فجائيّة لمعرفة ما إذا كان ملتزما بالتأهيل الخارجي أم لا. فالشخص الذي يتلقّى العلاج الخارجي يكون إمّا ربّ أسرة، إمّا المعيل الوحيد لعائلته. كما أكّدت "أنّ المدمن يجب أن يأتي إلى المركز بإرادته، ولا يمكن لأي شخص أن يتخلّص من الإدمان إلّا بإرادته الشخصيّة".
كيفية التأهيل
تطلعنا مطران على المراحل التي يمرّ بها المدمن خلال فترة علاجه في المركز، فبدايةً يخضع لعلاج نفسي مرّتين في الأسبوع، الأولى بشكل فردي والثّانية بشكل جماعي مع الأفراد الموجودين في المركز. إضافةً إلى وجود أخصائيّة اجتماعية تقوم بإجتماعات مع المدمن والأهل لتقرّب وجهات النّظر بينهم لبناء علاقة جيّدة وخالية من أي مشاكل ولكسر حاجز التوتّر الذي يسيطر على العائلة في مثل هذه الحالة.
من النّاحية الترفيهيّة يقدّم المركز نشاطات متنوّعة من أشغال يدويّة (arts and crafts)، رياضة. زيادةً إلى المجموعات التي تأتي من البرازيل لتقدّم لهم الدّعم من خلال النشاطات المختلفة.
وفي هذا السياق، يؤكّد أحد المتأهّلين في مركز نسروتو، أنّ وجوده في المركز غيّر حياته من جحيم إلى نعيم وانتشاله من القعر.
ووجّه رسالة تضمّنت "ما متت بس شفت مين مات، والذكاء إنّك تتعلّم من كيس غيرك مش من كيسك، القرار بإيدك تحمّل مسؤوليتك".