كان مقدّراً أن تستثمر مئات الشركات الصينية في لبنان خلال السنوات الماضية، قبل أزمة تشرين 2019. حينها، حضر ممثلو عدد كبير من الشركات الصينية الى لبنان. تولّى نائب زحلة آنذاك سيزار معلوف رعاية الاندفاعة الصينية، وقدّم للصينيين عروضاً مغرية لإقامة مصانع واستثمارات في البقاع، انطلاقاً من قضاء زحلة.
لماذا اهتم الصينيون بتلك المساحة اللبنانية تحديداً؟
كانت الشركات الصينية ترى في تلك المساحة مدخلاً الى سوريا، فهي بوابة الشام الى بيروت، وعبر البقاع الى الاردن جنوباً، والعراق شرقاً، وتركيا شمالاً. درس الصينيون جيداً الجغرافية الاقتصادية للبقاع، وعقدوا العزم على بناء أرضية صناعية، تجارية، استثمارية صالحة لمرحلة ما بعد الحرب السورية.
لكن اين اصبح الصينيون؟ غابوا عن المشهد بعد بدء الازمة اللبنانية، لتجتاح بعدها جائحة كورونا العالم انطلاقاً من الصين، مما ساهم في إرجاء المشروع الصيني الى زمن غير محدّد. فهل حانت عودة الصينيين؟
يبدو ان معلوف الذي بنى مجمعاً سياحياً تجارياً هو الاضخم في البقاع خصوصاً ولبنان عموماً، مستعد لإعادة ملاقاة الاندفاعة الصينية، بعد حصول مستجدات:
- أولاً، استطاع الصينيون التمدد الاقتصادي عبر بناء علاقات وثيقة مع الدول العربية، وخصوصاً الامارات والمملكة العربية السعودية.
- ثانياً، تراجع النفوذ المالي - الاقتصادي للولايات المتحدة الاميركية مقابل تمدد النفوذ الصيني.
- ثالثاً، تبني الصين علاقات سياسية واقتصادية قوية مع التناقضات في الاقليم: ايران وحلفاؤها من جهة، اسرائيل من جهة ثانية.
- رابعاً، تبقى الصين جاهزة لبناء مرافئ وبنى في شكل سريع، بأي دولة في العالم، عبر نظام BOT.
- خامساً، تستطيع الصين ان تشبك استثماراتها بين دول الاقليم والعالم، فيدخل لبنان حُكماً في مسار تنموي تطويري.
بالإنتظار، هل تُجهض لبنانياً اي اندفاعة صينية قادمة؟
عندما جال معلوف والوفد الاقتصادي الصيني على المرجعيات السياسية سمع كلاماً مرحبّاً من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي ابدى الجهوزية للمؤازرة التشريعية والسياسية، لكن لم تقدم الحكومة آنذاك على خطوات مطلوبة، خشية من امتعاض غربي، اميركي وفرنسي، بإعتبار ان الدولتين يتدخّلان في مسارات لبنان السياسية والمالية.
لا يبدو ان فرنسا في وارد مشاكسة الصين بعد الزيارة الاخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لا بل تبحث باريس عن تعاون مع بكّين في مختلف المجالات. امّا الفيتو الاميركي فلا يبدو فعّالاً حالياً، نتيجة خروج الدول من العباءة الاميركية، بدليل ما قاله ماكرون من الصين.
لا يمكن للبنان أن يكون خارج التوجه الشرقي الذي سلكته دول الخليج العربي. يمكن الاستفادة من ذات الطريق، رغم الفوارق في المعايير والأحجام.
تتحدث المعلومات عن دخول صيني ليس فقط على خط تسوية العلاقات بين الايرانيين والسعوديين، وقد نجحت المهمة بإحراز نتائج متقدمة ستتحقق في اطار عودة العلاقات الثنائية بين قطبي الاقليم، بل بدأ الصينيون رسم خطوط التسوية الكبرى في الشرق الوسط عبر حل الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية.
كل ذلك يوحي ان خيار الصين الاقتصادي على الاقل، هو الذي يفرض وجوده في الاقليم الذي يشكّل لبنان جزءاً منه.