إعتاد اللبنانيون عند كل إستحقاق إنتخابي توقّع عدم إجرائه. هي ليست المرة الأولى من نوعها التي يُطرح فيها تأجيل الإنتخابات. سبق وأن أُرجئت انتخابات نيابية، وبلدية، ونقابية. وهكذا يمضي لبنان في طريق سياسي تعترضه مطبّات على طوله، بسبب طبيعة النظام السياسي الذي أصبح عاجزاً عن تأمين متطلبات الديمقراطية والاستمرارية.
يُعرف عن الإنتخابات البلدية في لبنان أنها تحتكم إلى معايير عائلية، وخصوصاً في البلدات والقرى، بينما تقتصر المنافسة السياسية على بضع مدن، كالعاصمة بيروت وطرابلس وصيدا وزحلة وجونيه.
هل القوى السياسية جاهزة لخوض الانتخابات البلدية؟ ليست جاهزة، لا سياسياً، ولا شعبياً، ولا مالياً. لم تُظهر القوى السياسية أيّ نوايا حقيقية بإجراء الانتخابات البلدية، لكن المزايدات تواصلت في سبيل رمي كرة التأجيل في ملعب الحكومة او ملاعب بعضها البعض. ليست الحكومة مسؤولة عن التأجيل، ولا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان في وارد إرجائها، والدليل ما قاله زعيم تيار سياسي معارض في مجالسه، ردّاً على سؤال حول إجراء الانتخابات البلدية: علينا ان نستعد لها، كي لا يفاجِئنا الاستحقاق، لأن ميقاتي يريد إجراءها.
بالتأكيد إنّ رئيس الحكومة لا يريد ان يتحمل مسؤولية تأجيل هذه الانتخابات. كما الا مشكلة لديه شخصياً او سياسياً في إجرائها بموعدها، وعندما تأكدّت قوى سياسية من واقعية ميقاتي لجأت الى اتهامه بأنه يريد تلبية مطلب رئيس المجلس النيابي نبيه بري. لكن بالوقائع يتبين ان القوى السياسية مجتمعة لا تريد اجراء الانتخابات حالياً، وخصوصا التي تدّعي انها كانت تسعى لاجرائها.
اذا كان التأجيل اطلّ اولاً من اجواء التيار الوطني الحر، فهذا لا يعني ان حزب "القوات" مثلاً يريد اجراءها. امّا الكلام عن إنّ التأجيل اتى لمنع احراج تيار المردة في الشمال، خصوصا في حال خسرت لوائحه الانتخابات البلدية في زغرتا وقضائها، فإن لا واقعية لهذا الاتهام: متى كانت الانتخابات البلدية مقياساً سياسيا للمرشحين الى المقاعد الرئاسية او الوزارية او النيابية؟.
قد تُستخدم حينها للتصويب الاعلامي عليه معنوياً، لكن لا قيمة عملية لها.
ومن هنا فإن حلفاء النائب السابق سليمان فرنجية لم يتخذوا قرار التوجه نحو ارجاء الانتخابات البلدية كرمى لترشيحه، بل ان اي قرار سياسي تمّ المضي به هو نتيجة عجز القوى السياسية عن خوض معركة انتخابية لا فائدة منها. علماً ان قوى كانت تداولت فيما بينها لوضع سيناريو ابقاء القديم على قدمه في البلديات، في حال تمّت الانتخابات في موعدها.
بجميع الاحوال، لن تقدم ولا تؤخر لا الانتخابات ولا تأجيلها، نتيجة عدم وجود اجواء شعبية مؤاتية لاجرائها، وقلة الموارد المالية، وعجز البلديات عن دفع المستحقات، وحالة الركود الاجتماعي القائمة بسبب الازمة الاقتصادية.
يبدو ان كل اللبنانيين ينتظرون الاستحقاقات الاساسية المتعلقة بحل الازمة السياسية، من اجل انتخاب رئيس للجمهورية ووضع لبنان على سكة الاصلاحات المطلوبة محلياً ودولياً. ولا يبدو الامر وارداً الا بعد طرح الملف اللبناني على الطاولة الايرانية-السعودية في وقت قريب.