لا يختلف اثنان على ان السيناريو الذي يضعه السياسيون في لبنان لبعض المواضيع والازمات والاستحقاقات، اقل ما يقال فيه انه يفتقر الى الذكاء والابداع، واحدث دليل على ذلك، التعاطي مع استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية.
الحكومة تضع الكرة لدى مجلس النواب، والمجلس يتهم الحكومة بالتقصير، وبين هذين الخطين تنهال التبريرات القانونيّة ويتصدر جهابذة "الدفاع عن القوانين والدستور" الساحة من دون ان يعطوا رأياً موحداً حول من يتحمل مسؤولية التأجيل.
في الواقع، وكما بات معروفاً وفق ما تقوله مصادر مطلعة، فإن الجميع يريد ارجاء هذه الانتخابات، وابسط ما يؤكد هذا الامر هو تأمين الغطاء اللازم للخروج بهذه الخلاصة، والا لكنا اليوم امام مشهد مغاير تماماً، ولكانت التعقيدات والعقبات امام كل ما من شأنه الوصول الى نتيجة في هذا الملف... في مهب الريح. أليس هذا ما حصل ويحصل في الانتخابات الرئاسيّة؟ أليس هذا ما حصل ويحصل في معضلة حاكمية مصرف لبنان وتأمين خلف لرياض سلامة؟ أليس هذا ما حصل لوضع المدير العام السابق للامن العام اللواء عباس ابراهيم خارج المعادلة؟ أليس هذا ما حصل ويحصل في كل ما يؤدي الى تحسين ظروف عيش المواطنين واستعادة ولو جزء بسيط من ودائعهم في المصارف؟ والامثال الاخرى لا تعد ولا تحصى.
وتتابع المصادر نفسها: لكن ما يؤلم بالفعل، هو ان الجميع يتلطّون بالقانون والدستور، وهما اكثر من يتلقى الطعنات في الظهر من قبل الجميع، اولئك الذين يركضون نحو تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية ولا يجرؤون على الاعلان عن ذلك، ولا يرغبون في تبني هذا الولد الذي يشكون من انه "لقيط" وانهم بدافع انساني محض، قرروا مساعدته على الحياة وبالتالي كان قرار التأجيل، وهو امر كان معروفاً منذ اسابيع ان لم يكن منذ اشهر.
اليوم، بات التمديد واقعاً لا مفر منه وقد اقرّه مجلس النواب بشكل رسمي، ولكن المؤلم هو ان هذا التمديد لن يتم استغلاله من اجل الاسراع في بت ملفات واستحقاقات اخرى، وستطوى صفحة هذا الملف ليصبح مجرد ذكرى الى ان يحين موعده مجدداً، ومن منا لا يتذكر ما حصل مع التمديد الذي شهده مجلس النواب نفسه (اكثر من مرة في الالفيّة الجديدة) تحت ذرائع ومسمّيات عدة، ودائماً وفق ما يسمح به القانون؟ يرى المعنيون ان البلد يسير بشكل جيد من دون رئيس ومن دون حكومة فاعلة ومن دون مجلس النواب يقوم بالمهام الموكلة اليه اصلاً، فما المانع ان يبقى على مساره الجيّد في ظلّ رؤساء بلديات ومخاتير اعتادوا على الامر؟ هكذا تسير الامور في لبنان، بحيث يتم استهلاك كل ساعة ودقيقة وثانية لتحقيق المآرب التي لا تعود بالفائدة الا على البعض، فيما الفائدة العامة غائبة وقد لا تحضر لوقت طويل جداً.
خرجت الحكومة "بريئة" من دون ان يعني ذلك انها ليست شريكة في ما حصل، فالاتّهامات طالت، ومن قبل نواب وشخصيات سياسية، رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية في الحكومة نفسها بسام المولوي بأنهما عملا ايضاً على ارجاء الانتخابات، فيما خرج النواب للترويج بأنهم "ابطال" نجحوا في درء خطر الفراغ البلدي والاختياري. وتجزم المصادر بأنه لن تحصل انتخابات بلديّة قبل ان تنقضي مهلة السنة التي اعطيت كحدّ اقصى لاجرائها، وان اللبنانيين سينسون كل ما يتعلق بهذا الاستحقاق طوال هذه الفترة، بفضل الامور الاخرى التي ستواجههم على الصعد السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية...