في أيار من العام 2012 زار وفد من قوى 14 آذار عرسال للتضامن مع اهلها ومع النازحين السوريين، يومها طالب فارس سعيد الحكومة بالاهتمام الفوري بأهالي عرسال والبقاع كما بوضع العائلات النازحة من سوريا من خلال تأمين الحاجات لها عبر الهيئة العليا للاغاثة. بعد عامين فقط من تلك الزيارة أصبح عدد النازحين في عرسال ضعفي عدد اللبنانيين، واستمرت قوى آذار بدعم النزوح ورفض أي حديث عن عودة أو ضرورة التنسيق مع القيادة السورية لاجل هذا الملف.
عام 2018 اعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن "من يريد عودة النازحين السوريين إلى سوريا، عليه أن يسعى ليجد طريقة لإخراج الأسد من سوريا"، لكن اليوم تبدلت الصورة، فالقوات اللبنانية صارت من أشد المطالبين بعودة النازحين الى بلدهم، مثلها مثل الكتائب اللبنانية وباقي مكونات ما كان يُعرف سابقاً بقوى 14 آذار، فما الذي تغيّر، علما أن أعداد النازحين بحسب مدير عام الأمن العام السابق فاقت المليوني نازح، ومنذ سنوات، وكلفة النزوح على الاقتصاد اللبناني بالمليارات، وهذا أيضاً ليس جديداً، فما الذي تغيّر؟!.
من حيث المبدأ، هناك مجموعة من الأسباب لهذا التبدل في المواقف، منها ما هو على علاقة بالواقع السياسي، ومنها ما له علاقة بالواقعين الإجتماعي والإقتصادي في لبنان، خصوصاً في ظل الإنهيار القائم على كافة المستويات منذ نحو 4 سنوات تقريباً.
بدايةً، على المستوى السياسي، كانت قوى الرابع عشر من آذار، في بداية الحرب السورية، تراهن على حصول تبدل على مستوى القيادة في دمشق، وهي كانت تُجاهر بهذا التوقّع وتبني عليه مشاريعها، حتى أن بعضهم راهن بشواربه على سقوط النظام، الأمر الذي لم يعد من الممكن الإستمرار به في المرحلة الراهنة، نظراً إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد إنتصر في الحرب، بدليل عودة الدول العربية التي كانت رأس حربة في المعركة ضدّه إلى الإنفتاح عليه، وبالتالي لم يعد من الممكن لحلفائها في لبنان الإستمرار بالحرب نفسها، لذلك فإنّ ملف النازحين الضاغط على لبنان كان مقبولاً لدى هؤلاء بسياق الحرب على القيادة السورية فقط، لا حباً بالإنسانية ولا قلقاً على حياة السوريين.
هذه الخسارة على مستوى الرهانات على التطورات السوريّة، لا يمكن أن تنفصل عن العبء الذي بات يشكّله هذا الملف على الأوضاع اللبنانية، الأمر الذي يدفع هذه القوى إلى تبرير نفسها بالقول أن موقفها سابقاً كان بسبب وجود الحرب في سوريا بينما هي توقفت اليوم، إنما الحقيقة هي أنّ الرهانات التي كانت تعقدها سابقاً لم تعد واقعيّة، الأمر الذي فرض عليها تبديل خطابها، في ظلّ إرتفاع النقمة الشعبية على الوجود السوري الذي ينافس اللبنانيين في عدة مجالات.
يقودنا هذا الى واقع الصراع المسيحي-المسيحي على تجييش الساحات، فالمعارك بين القوى المسيحيّة على كسب الشارع لم تعد خافية على أحد، وملف النازحين بات يشكل أحد أوجه هذه الحرب، لهذه الاسباب وغيرها لم يعد بمقدور القوات أو الكتائب أو غيرهما من البقاء تحت سقف التيار الوطني الحر الذي لطالما كان مطالباً بعودة النازحين الى بلادهم، وتوجّههم الى رفع السقف يوصل الى نهايات قد لا تكون سعيدة، بحال حصلت صدامات بين اللبنانيين والنازحين.
ما يحصل في لبنان حصل في تركيا التي تعيش في ظلّ منافسة بين مرشحين رئاسيين اثنين، قضية النزوح هي أبرز وجوهها، لذلك بغض النظر عن مواقف المرشحين من النزوح في بداية الأزمة، باتت هذه القضية هي العنوان الأساسي للكسب السياسي، بعيداً عن الشعارات الإنسانية الرنانة التي ترفع حسب الحاجة، فالقضيّة الأساس هي الكسب الشعبي، لكن الخطر يكمن في التعامل مع هذا الملفّ من هذه الزاوية فقط، نظراً إلى أن المسألة أكبر من ذلك بكثير.
يجب أن يعود السوريون الى ديارهم، ويجب وقف استثمار هذه القضية بالسياسة كما تفعل المنظّمات الدولية التي تدّعي الخوف على حقوق الإنسان وهم أبعد ما يكون عن الإنسانيّة، ويجب على القيادة السوريّة مدّ يد العون لاستعادة أبنائها، فالمسألة باتت صعبة ومعقّدة وقابلة للإنفجار في أي وقت.