على الرغم من أن غالبية الأفرقاء المحليين تدرك جيداً أنّ المخرج الوحيد للإستحقاق الرئاسي يكمن بمبادرة خارجيّة، إلا أن أحداً ما كان يتوقع أن تذهب فرنسا، الدولة الوحيدة التي تبدي إهتماماً بارزاً منذ إنفجار مرفأ بيروت، إلى الغرق في التفاصيل اللبنانية بهذا الشكل، الأمر الذي أثر على الدور الذي تطمح إليه.
قد يكون من المؤكّد أن باريس، عندما فكرت بطرح المقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، أي إنتخاب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية رئيساً وتكليف القاضي السابق نواف سلام تشكيل الحكومة المقبلة، لم تكن تنتظر الإصطدام بمجموعة واسعة من الإعتراضات، تبدأ من الأفرقاء المسيحيين ولا تنتهي بمواقف بعض أعضاء لقاء باريس.
في الأسابيع الماضية، حاولت فرنسا إعادة التموضع رئاسياً، من خلال الموقف الذي صدر عن وزارة الخارجية، لكن ما هي إلا أيام حتى عادت إلى التسويق بأنها لا تزال متمسكة بالطرح، طالما لم يتقدم أي طرح آخر من الممكن التعويل عليه، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، الأمر الذي يدفع يضع الكثير من علامات الإستفهام حول الأسباب التي تدفعها إلى ذلك، خصوصاً أن هذا الأمر يتناقض مع مقومات الدور الذي من المفترض أن تلعبه.
في هذا السياق، تكشف المصادر نفسها أن بعض الجهات اللبنانية تبلغت من الأميركيين بأنهم غير راضين عن الأداء الفرنسي في الملف الرئاسي، بالرغم من الإقتناع في الماضي بأنّ باريس تنطلق في تحركها من هامش الحريّة المُعطى لها من واشنطن، الأمر الذي لا يمكن التقليل من أهميته في ظل الظروف القائمة على مستوى المنطقة، نظراً إلى أن السعوديين، حريصين على عدم إعطاء موقف حاسم، ويفضلون منح أي ورقة في لبنان إلى الإيرانيين مباشرة للحصول على ثمن مقابل، بدل تقديمها إلى الفرنسيين.
من حيث المبدأ، هناك قناعة تامة بأن الجانب الفرنسي غير قادر على فرض تسوية، سواء كان ذلك على مستوى الأفرقاء المحليين أو الخارجيين، بدليل أن غالبية القوى اللبنانية المعارضة لترشيح فرنجيّة لم تتردد في توجيه إنتقادات قاسية لما تقوم به باريس، وبالتالي ما كان يجب أن تراهن عليه هو الإستمرار في لعب دور الوسيط القادر على التواصل مع الجميع، من دون أن تتحول إلى فريق في الكباش القائم.
من وجهة نظر نيابيّة معارضة، يمكن الحديث عن أن باريس دخلت في مقامرة غير محسوبة النتائج، حيث وضعت كل ثقلها في مبادرة قد لا يُكتب لها النجاح، لكنها تشدد على أن هذا الأمر لا يأتي من فراغ بل بناء على معطيات وجدت نفسها أمامها، تبدأ من موقف "حزب الله"، الذي يؤكّد إصراره على دعم فرنجية، وبالتالي من الأفضل لها ألا تكون على صدام مع هذا الخيار، طالما أنّ الجميع يدرك ألا رئيس من دون موافقة الحزب.
بالإضافة إلى ما تقدم، تشير المصادر نفسها، عبر "النشرة"، إلى أن هناك من المقربين من باريس من يؤكد أنها لم تسمع أي إعتراض على إسم رئيس تيار "المردة" من الأميركيين أو السعوديين، الأمر الذي دفعها إلى الإعتقاد بأنها تستطيع المبادرة لإنجاز الإستحقاق الرئاسي في وقت سريع، لا سيما بوجود مجموعة من الأشخاص اللبنانيين الذين يملكون علاقة جيدة مع بعض أركان الإدارة الفرنسية سعوا إلى ذلك، بالتزامن مع غياب البديل الجدّي لدى الفريق المعارض.
في المحصّلة، ترى هذه المصادر أن السؤال الجدي المطروح اليوم يكمن بقدرة فرنسا على العودة إلى المربع الأول، بعد الضرر الذي لحق بصورة دورها لدى مجموعة واسعة من الأفرقاء اللبنانيين، لتؤكد أنها ليست المرة الأولى التي تغرق فيها بالمستنقع اللبناني بطريقة خاطئة، وتضيف: "توقيت بعض الخطوات التي قامت بها لم يكن سليماً، لكنها في المقابل قد تكون من أبرز الرابحين في حال رست التسوية على فرنجية في نهاية المطاف".