في الآونة الأخيرة زرت عدة قرى في مقاطعة جيانغشي جنوب شرقي الصين، ومن خلال زيارة حقول ومصانع وأعمال القرويين هناك، رأيت تجربة جيانغشي المتميزة في تعزيز النهوض الريفي من خلال تطوير الصناعات وتحسين البيئة المعيشية وتقوية قدرات القرويين.
خلال أكثر من عشر سنوات، بذلت الصين جهودا كبيرة في تعزيز تحقيق الرخاء المشترك للجميع بشكل تدريجي. نتيجة لذلك، نجحت في انتشال 98.99 مليون شخص من الفقر المدقع، وحققت هدفها المتمثل في بناء مجتمع رغيد الحياة بشكل معتدل في الموعد المحدد.
ومع ذلك فإن الصينيين لا يعتبرون التخلص من الفقر نقطة الانتهاء، بل يعتبرونه نقطة الانطلاق نحو مسيرة جديدة وهي تحقيق الرخاء المشترك للجميع.
تكمن صعوبة تحقيق الرخاء المشترك في الأرياف بشكل رئيسي، حيث يعيش 500 مليون شخص بشكل دائم. بدون التحديث الزراعي والريفي، لن يكون هناك تحديث للبلد بأكمله. استكشفت مقاطعة جيانغشي طرقا جديدة ذات خصائص محلية لتنشيط المناطق الريفية، بما في ذلك تطوير الصناعات، وتنمية المواهب، وحماية الثقافة التقليدية، والتكامل بين البيئة والصناعة، مما حقق نتائج مثمرة.
توسيع قنوات دخل القرويين من خلال تطوير الصناعات المميزة
في قرية تانغلي الواقعة في سفح جبل ووقونغشان، كانت بداية زراعة الشاي هناك في سبعينيات القرن الماضي، لكن توسعت المساحات المزروعة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة لتصبح حوالي 133 هكتارا بعد أن كانت 80 هكتارا، وذلك بفضل اعتماد القرية نموذج عمل "شركة + تعاونية + قرويين"، حيث يتعاون القرويون المحليون مع مصنع يوان تشو لشاي الربيع من خلال الإسهام بالأراضي ونقل حقوق الاستخدام. فلا يمكنهم فقط الحصول على أرباح الأسهم، ولكن يمكنهم أيضا المشاركة في قطف الشاي وصنع الشاي للحصول على دخل من العمل. في العام الماضي، وظف المصنع حوالي 200 قروي للعمل ودفع أكثر من 290 ألف دولار كمكافئات عمل.
وفي محافظة تايخه التي تمتلك تاريخ يمتد لـ 2200 عام من تربية الدجاج الأسود، اعتمدت القرية نموذج عمل "شركة + تعاونية + قرويين" لتزويد القرويين بالدعم الفني أو الكتاكيت، لضمان جودة وأمن دجاج القرويين، مما يوسع طرق زيادة الدخل.
وفي بلدة قانلوه بمحافظة آنفو، من خلال إنشاء مركز لخدمات الزراعة الآلية، يتم زراعة أراضي القرويين بشكل جماعي وآلي وحديث لتجنيبهم العمل الشاق ومنخفض الكفاءة في السابق، ويوفر لهم وقتا للأعمال الأخرى وتوسيع قنوات الدخل.
تدريب القرويين من خلال تنظيم دورات وتدريبات
بذلت المحافظات والبلدات في جيانغشي جهودا كبيرة في تطوير قدرات ومهارات القرويين من خلال تنظيم لهم تدريبات تقنية نظرية وعملية ذات صلة بصناعتهم، حتى يتمكنوا من إتقان التقنيات الجديدة وتعزيز الفوائد الاقتصادية.
توفر بلدة يانغشيمو لأصحاب الأعمال تدريبات علمية وعملية تتعلق بصناعتهم من خلال مجموعة من الأساليب. على سبيل المثال، نظمت البلدة دورات عن تعزيز الوعي بريادة الأعمال وطريقة استخدام منصة الأعمال الإلكترونية لأصحاب بيوت إقامة سياحية وغيرها. أما في قرية دونغشانغ، فنظمت البلدة تدريبات بشكل منظم للنحال من قبل الخبراء الجامعيين، لمساعدتهم في حل الصعوبات التي تواجه تربية النحل.
التكامل العميق بين حماية البيئة وتطوير الصناعة
لم تعد الأرياف مكانا للإنتاج الزراعي فقط في الصين اليوم، بل أصبحت مكانا تزدهر فيه سلسلة من الصناعات الريفية الجديدة مثل السياحة الريفية والرعاية الصحية ورعاية المسنين وغيرها، مما يضيف زخما للتنمية الريفية ويساهم في زيادة دخل القرويين.
عملت قرية ونجيا على دفع أعمال التطوير لملامح القرية، بدلا من هدم أي منزل، وتم ترميم بعض المنازل، ومعالجة مياه الترع، وتوظيف فريق محترف للتصميم والتخطيط. وفي الوقت الراهن، أصبحت ملامح القرية مختلفة تماما، حيث أصبح الهواء في القرية نقيا ومنعشا. ما لا يجذب المزيد من السياح للإقامة في البيوت الريفية السياحية فحسب، بل يعزز مستوى معيشة القرويين ويزيد من دخلهم.
تبرز فوائد هذه الإجراءات في الوقت الحاضر، حيث ازداد عدد السياح الذين يأتون إلى القرية للإقامة والإنفاق أكثر من ذي قبل، وهم مليئون بالثناء على بيئة القرية. في الوقت الحالي تشتغل نحو جميع عائلات في قرية ونجيا بالأعمال المتعلقة بالسياحة. وقال أحد قرويين إن عائلته كانت مسجلة كعائلة فقيرة في الماضي، أما الآن، ارتفع الدخل السنوي من منزلها السياحي عن 200 ألف يوان.
حماية ووراثة الثقافة المحلية المميزة
أولت مدينة جينغقانغشان في مقاطعة جيانغشي جنوب شرقي الصين اهتماما كبيرا في حماية وتوريث رقصة فوانيس الأسد التي نشأت في المدينة عبر الأجيال، وهي فن يجمع بين كونغ فو الصيني مع رقصات الأسد والتنين وعروض الملاكمة والقتال بالعصا واستخدام الأسلحة والدرع وغيرها، وصنفت على أنها تراث ثقافي غير مادي على المستوى الوطني للحفاظ عليه في عام 2014.
بفضل جهود حماية وتوريث التراث الثقافي، تم إنشاء قاعدة تعليم رقصة فوانيس الأسد بالتعاون مع مدرسة دونغشانغ في المدينة، ويتم تعليم التلاميذ من قبل وريث رقصة الأسد وأعضاء الفريق. بالإضافة إلى ذلك، يتم تعليم الرقصة في جامعة جينغقانغشان ومدرسة السياحة الثانوية في المدينة.
خلاصة القول، سواء كان ارتفاع مستوى الدخل المتزايد، أو السماء الزرقاء والمياه الصافية المتزايدة باستمرار، أو البيئة المعيشية التي تتحسن باستمرار، كلها دليل النتائج المثمرة التي أحرزتها جيانغشي في النهوض الريفي.
*صحافية صينية