ساعات قليلة فقط فصلت بين اطلالة رئيس تيار المردة المرشح (من دون ان يقدم ترشيحه رسمياً) سليمان فرنجية، والكلام الصادر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري. في الشكل، لا يبدو هناك من تعارض لجهة انتظار الموقف السعودي والتأييد الفرنسي الذي يحظى به فرنجية لانتخابه رئيساً، وان الاصوات الـ65 التي يحتاجها لاخراج الفراغ من كرسي القصر الرئاسي متوافرة، انما الهدف ليس الحصول عليها بل عدم استفزاز احد والتوجه الى مواجهة.
من استمع الى فرنجية، خرج بموقف مريح وايجابي وبصورة مغايرة لتلك التي كان يعطيها في كل مرة كان يجد نفسه فيها محرجاً او مستهدفاً من قبل البعض في التعيينات او المناصب... لبس فرنجية بذلة الرئاسة وما تحتاجها من دبلوماسيّة فمد يده للجميع، القريبين والبعيدين، الخصوم والحلفاء، حتى انه قدّم نفسه على انه الرجل المناسب لمرحلة التسويات التي بدأت تطل برأسها. هذه المعطيات اكد عليها بري في مواقفه في اليوم التالي، ولكن مع فارق مهمّ، ففي حين قال فرنجيّة انه "ليس مستعجلاً وجايي الوقت"، كان بري اكثر تشاؤماً بقوله "لسوء الحظّ، لا أجد الآن سوى السّلبيّات، السّلبيّات فقط"، موحياً بذلك ان كل الدفع الايجابي الذي قدّمه فرنجية، لم يجد مكاناً له على ارض الواقع الحالي.
الاهم في الموقفين، هو انهما كانا صادقين في مسألة مهمة واكدا ما يعرفه الجميع، وهو ان الاستحقاق الرئاسي مسألة خارجيّة بمعظمها، تنتظر الاتفاق عليها من قبل عدد من الاطراف، وفي مقدمهم السعودية، ولم يعد هناك من مبرر للاختباء خلف ان الاستحقاق داخلي ولا يحتاج سوى الى توافق اللبنانيين لتنتهي المسألة. على اي حال، ما قاله بري اعاد غيمة التشاؤم فوق الاجواء الرئاسيّة اللبنانيّة بعد ان كانت توقعات الطقس الرئاسي تميل الى انقشاع الغيوم، وهو اراد على ما يبدو، ان يوصل رسالة مزدوجة: تحميل السعودية والافرقاء اللبنانيين الذين معها مسؤولية التأخير الحاصل، والدفع قدماً لتسريع الحلول للاستفادة من الزخم الفرنسي لفرنجيّة. من هنا، يمكن فهم موقف رئيس المجلس النيابي وغمزه من قناة "افشال" محاولته اقامته طاولة حوار، كونه يعلم ان تسارع الاحداث واتخاذها منحى سيئاً (تنامي النفور بين اللبنانيين والنازحين السوريين، قرب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، ازدياد حدّة الخلاف السياسي وتنامي وقع الازمة المالية والاقتصادية...) من شأنها ان تشكل عناصر ضاغطة للخارج والداخل على حدّ سواء لن يكون من الممكن تحملها لمدة اطول. ويدرك بري وحزب الله ان بقاء الدعم الفرنسي لفرنجيّة يشكّل رافعة كبيرة له في وجه منافسين مباشرين يشكلون خطراً عليه وفي مقدّمهم قائد الجيش العماد جوزاف عون، ويدرك الثنائي الشيعي ايضاً ان بقاء الستاتيكو الحالي يصبّ في لصاحهما، بدليل تراجع حظوظ قائد الجيش في الفترة الاخيرة وعدم ظهوره اعلامياً كما كان من قبل، حتى في الامور والاحداث التي تتعلق بالمؤسسة العسكريّة على غرار ما تعرّضت له من اتّهامات في مسألة النازحين السوريين مثلاً، ومن المهم بالتالي للثنائي الشيعي ان يبقى فرنجيّة في مقدّمة السباق الرئاسي، حتى حين تحين لحظة التسوية، يكون جاهزاً لتولّي المهام الرئاسيّة، وهذا ما عناه بقوله "جايي الوقت"، ما يعكس اطمئنانه الى انّ الرياح تسير وفق ما تشتهيه سفينته، وان انتظار اسابيع او اشهر قليلة لن يؤثر عليه ولا على حظوظه، خصوصاً وان الاجواء توحي بأن لا مفاجآت غير سارة قد تطرأ على الوضع العام في المنطقة قد تطيح بالتفاهمات التي حصلت ان مع ايران او مع سوريا.
مرة جديدة يكون عامل الوقت هو اللاعب الرئيسي في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، فهل سيتأخر؟.