في العام 2016، بعدما كانت الرئاسة قريبة من بنشعي التي كانت يومها تحوز ثقة السعوديين والفرنسيين، بدأ النقاش في تحالف عريض يضمن باتفاق سياسي بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر إيصال العماد ميشال عون الى سدّة الرئاسة، الأمر الذي دفع بسعد الحريري للتوجه الى الرياض وسؤال المملكة عن موقفها من وصول ميشال عون الى بعبدا، يومها كان الموقف السعودي واضحاً: "لا نريد التدخل، افعلوا ما ترونه مناسباً".
فعل الحريري ما رآه مناسباً، كذلك القوات اللبنانية التي انتخبت عون، فكانت النتيجة كما توقعها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد سماعه موقف السعوديين من الحريري، الذي زاره بعد عودته من الرياض لوضعه في اجواء ما سمعه، وهي أن الرياض ابتعدت اكثر عن لبنان، وتركته لمواجهة مصيره. فماذا لو كررت السعودية الموقف نفسه اليوم؟.
بعيداً عن كل التحليلات التي تُبنى وفق أهواء كل فريق سياسي، لا تزال المملكة العربية السعودية على موقفها بعدم اعطاء جواب بالقبول أو النفي على ما تطرحه باريس على صعيد رئاسة الجمهورية، لكنها أعطت جواباً مشابهاً لذلك الذي حصل عليه سعد الحريري عام 2016، فبحسب مصادر سياسية مطّلعة فإنها أبلغت الرئيس الفرنسي شخصياً بأنها تعتقد أن على اللبنانيين الاختيار.
هذا الكلام يُعيدنا الى زمن التسوية الرئاسيّة السابقة، فرغم توافق اكثريّة القوى السياسية حولها لم تتمكن من النجاح أو تأمين عبور سليم للعهد الرئاسي الذي كان محاصراً من العرب تحديداً بسبب الموقف السعودي، لكن ظروف اليوم إقليمياً وعربياً تختلف اختلافاً جذرياً عن ظروف العام 2016، ولاجل ذلك لم تقبل القوى السياسية اللبنانية بالجواب السعودي، هي تسعى لان تحصل على جواب واضح، ولهذا الهدف أكد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية خلال إطلالته التلفزيونيّة الأخيرة أنه لن يقبل بانتخابه رئيساً ما لم يكن هناك موافقة سعوديّة واضحة.
ليس فرنجيّة وحده من يُريد الموقف السعودي الواضح، فبحسب المصادر يؤيّد الثنائي الشيعي هذا الأمر، كذلك رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي يعتبر أن انتخاب رئيس لا يحظى بتبنّ عربي، يعني بقاء لبنان في الدوامة نفسها، وهنا لا يُريد جنبلاط موافقة ضمنية على الرئيس أو تأييد شكلي، بل يؤكّد على ضرورة وجود "التبنّي" العربي لإسم الرئيس، وهو لن يتحرك انتخابياً سوى بهذه الشروط.
لا تجزم المصادر أن الموقف السعودي الحالي هو النهائي، لكنها تجزم بأن السعوديين لا يبلغوا حلفائهم في لبنان أي موقف جديد يختلف عن المُعلن وهو أن اللبنانيين يقرّرون ما يريدون، وأن المملكة تحدّثت عن المواصفات فقط، وتجزم أيضاً بأن الملف اللبناني لم يُبحث بعد بين الإيرانيين والسعوديين، علماً انه قد لا يُبحث بطريقة مفصّلة، لأنّ إيران تترك ملف لبنان لحزب الله، وهي كما في اليمن، تملك القدرة على التأثير فقط.
الأكيد حتى اليوم بحسب المصادر أن استمرار الموقف السعودي على حاله يضع القوى السياسية في امتحان صعب، والحلّ عندها يكون بين حزب الله والمملكة، الّتي تقارب الملف اللبناني من باب الحزب، وعليه فإن الحوار بين الطرفين قد يكون الحل الأمثل لعودة السعودية الى لبنان، وعندها يصبح التعاطي مع الملف اللبناني مختلفاً بحال وصل حوار حزب الله والسعودية الى نتائج إيجابيّة.