في الفترة الماضية، كانت غالبية القوى السياسية تنتظر توضيح الموقف السعودي من الملف الرئاسي اللبناني، ربطاً بالإتصالات التي كان يقوم بها الجانب الفرنسي، بهدف السعي إلى تليين موقف الرياض من ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، في وقت كان كل فريق من الأفرقاء المحليين، يعمد إلى محاولة الإيحاء بأنه يملك حقيقة ما يحصل على المستوى الخارجي، للتأثير على خصومه.
في هذا السياق، كان من الواضح أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أبرز المتحمسين لفرنجيّة، أكثر من سعى إلى تعميم أجواء إيجابيّة تصب في صالحه، الأمر الذي دفع حزب "القوات اللبنانية" إلى قيادة حملة التصدّي لذلك، حيث باتت الدائرة الإعلاميّة في الحزب تتولى الردّ على أيّ موقف يصدر عن بري، مؤكدة أن ما يبثّه من معلومات، لا سيّما حول الموقف السعودي، لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة.
على هذا الصعيد، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ التركيز على المؤشّرات السعودية حجب الإهتمام بالموقف الأميركي، الذي كان قد صدر في الأسبوع الجاري، مع العلم أنه يصب في إطار عدم مباركة واشنطن ما يطرح من معلومات عن مقايضة تسعى باريس للترويج لها، وتقوم بشكل أساسي على إنتخاب فرنجيّة رئيساً للجمهورية، بناء على تفاهم مع الرياض.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الموقف لا يمكن التقليل من تداعياته على الطروحات الفرنسية، خصوصاً أن واشنطن من الأفرقاء المقررين على الساحة اللبنانية، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى باريس التي كانت قد واجهت العديد من الإعتراضات المحلية، على طريقة تعاملها مع الإستحقاق الرئاسي، لكن ما ينبغي التوقف عنده أيضاً هو ظهور بعض المواقف، في الأوساط الفرنسيّة، التي تنتقد أسلوب عمل إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون.
بالعودة إلى الموقف السعودي، كانت الرسائل التي حملتها مواقف السفير وليد بخاري، في الأيام الماضية، بالغة الأهمية، نظراً إلى أنها كمؤشرات حول موقف بلاده، تصب في إطار أنها تدور حول مجموعة من المسلمات، أبرزها أنها لن تتولى وضع فيتو على أي مرشح رئاسي، خصوصاً رئيس تيار "المردة"، لكنها في المقابل لن تبادر إلى الإعلان عن دعمها أو السعي للترويج لأي مرشح، مفضّلة البقاء ضمن دائرة المواصفات والتشديد على أن الملف الرئاسي شأن لبناني داخلي.
في هذا الإطار، ترى مصادر نيابية، عبر "النشرة"، أن هذا الموقف يصب في إطار الرسالة الواضحة برفض فرنجية، من دون أن تضطر الرياض للإعلان عن ذلك مباشرة، نظراً إلى أن رهان الفريق الآخر، أي قوى الثامن من آذار، كان يقوم على أساس حصول تحوّل في الرؤية السعودية، يقود إلى تبدّل في مواقف الأفرقاء المحليين الذي يتأثرون بهذه الرؤية، لا سيما أن هؤلاء ينقسمون إلى محورين: الأول متردد في الإعلان عن موقف حاسم من ترشيح رئيس تيار "المردة"، أما الثاني فهو أعلن مسبقاً عن رفضه النهائي له.
من وجهة نظر هذه المصادر، يمكن الحديث عن أن الرياض، في الوقت الذي كان فيه البعض يتوقع منها أن تعلن عن موقف ما، قرّرت أن تتبنّى النهج الإيراني في التعامل مع الملفّ اللبناني، أي أن ترمي المسؤولية على كاهل حلفائها، وبالتالي من يريد إبرام أيّ تسوية عليه البحث في هذا الموضوع معهم بشكل مباشر، تماماً كما تفعل طهران، منذ سنوات، التي تدعو من يريد النقاش بأيّ أمر يتعلق بالساحة المحلية إلى الحديث مع "حزب الله"، على إعتبار أنها لا تعارض ما قد يوافق عليه.
في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى أنّ ما تقدم، في ظل إستمرار فرض خيار فرنجية من قبل حلفاء السعودية في لبنان، من الممكن أن يكون مقدمة نحو سيناريوهين: الأول هو بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم، طالما أن قوى الثامن من آذار ترفض التخلي عن هذا الخيار، أما الثاني فهو فتح باب البحث في إمكانية التوافق على مرشح آخر، إلا إذا حصلت تطورات أوضح تصب في صالح رئيس تيار "المردة".