ليس هناك دليل اقوى عن عودة الحياة الطبيعية الى سوريا، اكثر من الترحيب بها في الجامعة العربية واعادة اعتراف العرب جميعاً بحضورها. لم يتغير النظام السياسي، ولم تتبدل الآراء بالرئيس السوري بشار الاسد (فمن يؤيّده استمر في تأييده ومن يعارضه التزم السير في قطار اعادة العلاقات معه، ولو على مضض)، ولكن ما تبدّل هو الوضع الميداني وانكفاء لغّة الصواريخ والمدافع، على الرغم من انّ الاوضاع لم تعد بعد الى ما كانت عليه قبل الحرب، ولكنها تسير في هذا الاتجاه. وبصرف النظر عن المواقف السّياسية من النظام السوري ومن الخطوة العربيّة تجاه دمشق ورئيسها، فإن الثابت هو ان سوريا عادت الى الحضور على الساحة الدبلوماسية والسياسية الاقليمية، وهي تسير بخطى بطيئة نحو استعادة حضورها على الساحة الدولية ايضاً.
وفي حين يبرز الحديث عن واقع اعادة اعمار سوريا واهتمام العالم بهذا الامر، يبقى موضوع النازحين او المهجّرين (اختلفت التسميات والواقع واحد) الاكثر اهمية بالنسبة الى العديد من دول الجوار وفي مقدمها لبنان وتركيا والاردن. قامت القيامة لعدم ضم لبنان الى الاجتماع الخماسي الذي عقد في الاردن وضم وزارء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر مع نظيرهم السوري لبحث قضية النازحين، فيما لم يكن هذا الحضور ليغير شيئاً الا من الناحية المعنوية، فتركيا مثلاً التي تستقبل اعداداً كبيرة ايضاً من النازحين السوريين لم تكن حاضرة، كما ان لبنان حضر في لجنة الاتصال الوزارية "لمتابعة تنفيذ بيان عمّان ولاستمرار الحوار المباشر مع الحكومة السورية والتوصل لحل شامل للأزمة"، ما يعني ان ليس هناك من نيّة لاستبعاد لبنان. ولكن الحق يقال ان المشكلة ليست في الحضور، بل في القرارات التي ستتخذ وهي غير متعلقة بالعرب كما بات معروفاً.
على اي حال، عاد موضوع النازحين الى الواجهة، ومن وجهة نظر تفاؤلية، يشكل احتضان العرب لسوريا فرصة مهمة لعودة السوريين الى بلدهم، لان هذا يعني استعداداً لتمويل هذه العودة، فالعرب دورهم اساسي من الناحية المالية، لان بامكانهم ضمان عدم تأثر الوضع الاقنصادي في سوريا بهذه العودة على الرغم من ان الاعداد ضخمة، ويمكن لهذه الاموال التعويض عن النقص الّذي سيحصل جراء عدم دفع الامم المتحدة المبالغ للنازحين خارج سوريا واصرارها على عدم تأمين المساعدات للسوريين في ارضهم، الى ان يتم حل الخلاف الدولي حول الموقف من سوريا لتعود الامور الى طبيعتها في ما خص الاعانات الدولية (وليس العربية) للسوريين.
ويربط الكثيرون بين تحريك المياه الراكدة في ملف عودة النازحين، والاستحقاق الرئاسي اللبناني بحيث تكون هذه العودة "هدية" اولى للرئيس الجديد كفيلة باعطائه الدفعة المعنوية اللازمة لاظهار قدرته على حل مشاكل كانت مستعصية، ولو على المدى المتوسط (فحتى لو تم اتخاذ قرار العودة، سيتطلب الامر بعض الوقت لاستكمال هذا القرار). ومن الطبيعي ان تعوض الاموال العربية ايضاً لبنان على "الانتقام الاممي" منه فور صدور قرار العودة، لانّ الغالبية الساحقة من المنظمات الاممية والمنظمات الدوليّة غير الحكوميّة تعمل على تسهيل امور السوريين في لبنان، ولن تنقل هذا الاهتمام الى تسهيل امور اللبنانيين، فيكون التمويل العربي الثقل المطلوب لتعديل كفّة الميزان. ومن المؤكّد ان كل ما يجري في سوريا يحظى بموافقة موسكو كونها البلد الاكثر تأثيرا على الوضع هناك، وهذا ما يفسر الانفتاح العربي على دمشق من دون الحصول على "البركة" الاميركية، مع احترام عدم استفزاز الاميركيين ايضاً، وهو امر بالغ الاهمية.
عادت سوريا الى الحضن العربي، وبات من الممكن التفاؤل انه، بأموال العرب، يمكن التأمل بعودة السوريين الى بلدهم من جديد.