على وقع التركيز المستمر على أي إشارة تأتي من السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، في ظل الحراك المُكثف الذي يقوم به على أكثر من جبهة، يبدو أنّ الأمور تتجه إلى أن يكون الحسم في يد الكتل النيابية المسيحية، التي لا تزال، حتى الآن، تمتلك القدرة على قلب الطاولة، في حال أرادت ذلك، لكن في المقابل فانّ الوقائع قد لا تبقى على حالها لفترة طويلة، خصوصاً إذا ما تكرست الرغبة الدولية في إنهاء حالة الشغور في وقت قريب، وهو ما تبين من خلال المواقف التي صدرت عن تكتل "الإعتدال الوطني".
في هذا الإطار، لا تزال غالبيّة القوى السياسية تتمسك بوجهة نظرها من الموقف السعودي، بين من يرى أنه يصب في صالح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وبين من يؤكد أنه يقطع طريقه إلى القصر الجمهوري بطريقة دبلوماسية، الأمر الذي يعود إلى طبيعة هذا الموقف غير الحاسم، ما يسمح بأن يكون هناك أكثر من قراءة له.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الرياض، من الناحية العملية، لم تدخل على خط الإستحقاق الرئاسي بشكل حاسم، حيث من الممكن وضع موقفها في إطار عدم التدخل السلبي أو الإيجابي، عبر الإصرار على معادلة رمي الكرة في ملعب اللبنانيين، بينما في المقابل هناك من يريد من الأفرقاء المحليين، أن تبادر أكثر، لا سيما أن الجميع متوافق على أهمية دورها في المرحلة المقبلة، بالرغم من إستقبال سفيرها في بيروت لفرنجية أول من أمس.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ما تقدم يقود إلى رمي الكرة في ملعب الكتل النيابية المسيحية، نظراً إلى أن الواقع سيبقى على ما هو عليه في حال لم يحصل أي تبدل في موقف أي منها، خصوصاً أن بين الأفرقاء المترددين، تحديداً رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط، من يرفض الذهاب إلى أي خيار لا يحظى بغطاء مسيحي واضح، الأمر الذي يضعف حظوظ رئيس تيار "المردة" في المرحلة الراهنة، بالرغم من التقدم الذي كان قد أحرزه في الأسابيع الماضية.
إنطلاقاً من ذلك، قد يكون من الضروري البحث في الخيارات التي من الممكن أن تذهب إليها هذه القوى، لا سيما أن المشترك الوحيد فيما بينها هو رفض ترشيح فرنجية فقط، في حين أن الإتصالات الهادفة إلى الإتفاق على مرشح آخر لم تصل إلى نتيجة بعد.
من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، حتى ولو نجحت قوى الثامن من آذار بتأمين أكثرية 65 صوتاً لصالح مرشحها، فإن هذا الأمر لا يعني القدرة على إيصاله إلى رئاسة الجمهورية، على إعتبار أن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب تأمين النصاب، وهو ما لا يمكن توفيره من دون الحصول على غطاء من إحدى الكتلتين المسيحيتين الأكبر، أي حزب "القوات اللبنانية" أو "التيار الوطني الحر"، وبالتالي الكتلتين تملكان مفتاح الإستحقاق الرئاسي.
في قراءة هذه المصادر، الكتلتان تملكان اليوم القدرة على قلب الطاولة، عبر الذهاب إلى الإتفاق على مرشح موحد، الأمر الذي سيضع القوى التي تدعم فرنجية في موقف حرج، لكن مع مرور الوقت الأمور قد لا تكون في صالحها، نظراً إلى أن الفريق الآخر قد ينجح في تأمين أكثرية 65 صوتاً، خصوصاً إذا ما برزت ضغوط خارجية تصب في إطار إنجاز الإستحقاق الرئاسي، وهو ما كان قد ألمح إليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، عبر الإشارة إلى ضرورة إنتخاب الرئيس المقبل قبل 15 حزيران المقبل.
في المحصلة، تجزم المصادر نفسها بأن ما يمكن الحديث عنه الآن هو أن الأمور لا تزال على حالها، لكن هذا لا يعني أنها لا تتحرك بشكل أسرع من الماضي، وبالتالي من الممكن حصول تطورات مفاجئة في أي وقت، لا سيما أن تحديد المهل الذي يتم مصدرها ليس داخلياً فقط.