تسألون عن زمن ولادة الثورة... لم يحصل بعد. لن يحصل أو لن تحصل لأنّ الثورة في بلادنا "شكر" عجيب غريب لا أنثى ولا ذكرا.
تعثّرنا في زمن "السَورة" فعدنا نحو الخلف حيث الصراخ من المخاض والألام والجوع. الثاء صعب لفظها معقّدة تعيدكم إلى الوراء أكثر يا شعب لبنان العظيم . يبست رياض بلادكم الضائعة وصار إخصابها عسيراً. من هولاكو حتّى هذه اللحظة، لم تنبت زهرة تغيير وحيدة في مساحة الرمل اللبناني الجاف. كلّ حبّة رملٍ بمزاج ومناخ مشحونة بالعُقد والعقائد والتنافر والتباغض، لذا بقي الحبر اللبناني بحراً هشّاً محكوماً بالتخبط وغرق العامة من اللبنانيين في بطون الجيتان بل سذاجة وقرف كلّ من يعرف لبنان فيتدخل ويصرح أو من يتابع أبسط أخباره ونكباته من بعيد . هذا ليس وطناً . هذا طنين فارغ أصفر لشدّة الظلام والظلامية ، نبحث عنه منذ التاريخ في خطوط أيدي سبعة من هولاكيي لبنان وسحناتهم المتجعّدة التي لم تعرف سوى البطش والوحشية وتحقير الناس وسرقتهم وسحلهم وفي المسايا نبحث في أعشاش الأرانب الفارغة تحت أكمامهم وفي عيونهم الملبّدة بالأحقاد، نبحث عن وطن.
أمّا الذين وضعوهم في خانة الروّاد من السياسيين، ويحفرالطلبة أسماءهم ومسدساتهم على الجدران والطاولات في المدارس والجامعات، فقد كانوا أعشاش مجرمين يبيضون أبداً أجيالاً من الطائفيين الحقيرين المتوحّشين، وفي أحسن أحوالهم إن اختلطوا قليلاً بغيرهم، بدوا كذابين توفيقيين يرقّعون الثياب الملوّنة كي يستروا عريهم الفجّ المكشوف. يتمثّل هذا النوع من البشر في لبنان، كما أتخيّله الآن، بمخترع المطبعة"غوتنبرغ" المهشّم لابساً السروال والقمباز والكوفيّة بهدف القرّاديات وإيقاعات التطبيل والتزمير والرقص للأديان التي لا علاقة لها بهم أو ب "سيغموند فرويد" أب التحليل النفسي يتمنطق بالجلاّبية أو ب"ماركس" و"لينين" واقفين بأسمالهما وجوعهما أمام حانوتٍ صغير بحثاً عن عملٍ بعدما قصدا مصانع الشرق والغرب توسّلاً لرغيفٍ من خبز سلاطين السياسة يوزّعه حاكم مصرف لبنان الحاكم بأمر سبابات هولاكو ألاّ يبقى سليماً راضياً في أرض لبنان قبل مغادرته حيث لا ندري .
كيف اختفت رياض الحاكم وكأنه حبة ملح لا أثر لها في أرض لبنان والمحيط؟
لكنهما فارقا من الذل والإستبداد السياسي والمصرفي والطائفي والمذهبي والعائلي والجوع....
نحن غرباء عن حبرنا القديم المعصور من أجساد الأسماك النافقة مثلكم في بحركم الأسود المتوسط. تاريخنا اغتراب باغتراب، وحبرنا أقرب إلى الدموع منه إلى ملوحة البحر. الدمع بهذا المعنى دمعان:
1- حبر يبكي حنيناً إلى قشور الأسماك اليابسة التي عصرناها وطناً مشرقاً لتزهو، لكنهم خذلوها واستعاضنا عنها بالنديب والدموع والتشرّد في أرض الفكرالمستورد والتكفيرمن دون تفكير.
2- وحبر ثقيل طبقات طبقات بالأكاذيب والمواعيد ليصبح لبنان مرتعاً لحمولات من الحطب كدّسها هولاكو فوق ظهورنا وأوثق ربطها بشراييننا ونهرنا كما الحيوانات إلى الخلف... نحو آخر صفوف الدول المصفوفة فوق سطح الكرة.
كلّما لاح في صباحنا صبية أو صبي مثل نجمة ذكيّة مشرقة، قطفها الغرب وأدارت ظهرها لشركم هذا إن لم يقتلها شقيقها أو قريبها أو خطيبها ثأراً لهولاكو ولربّما يطرحها حرقاً فوق رماد.
يا للهول! كلّما غمست ريشةً في محبرة جريئةٍ، نبت فيها هولاكو جديد.
كم من دماغٍ من إخواني وأخواتي الشابات والشباب اسمه جورج وفريال وعصام ونزهى ونبال وسعاد وانطوان وغادة ويوسف ومحمد وجرجي وحسن وحسين وعبدالله وحامد وصرّوف إدار كلّ منهم ظهره لهذا الظلام اللبناني العتيق هرباً من جحيم لبنان فتدرحرج مثل كرةٍ نحو بلاد الغرب، وإنتزعت الغربة جلده وقشّرت أحلامه، ولم يدخله الغرب في ممالكه الكتابية وبرامجه إلاّ بعد أن أصبح معروفاً يعتمر أو تعتمر القلسنوة اليهودية ويعرف ب دافيد وشارل وبيتر والمعلوفية ، أو صارت وصار يتنكّر للسانه ولونه وحفّة شاربيه ويحضّر الحقائب للتآمر على حكم بلاده المجمّدة يطلّون علينا بألسنةٍ جديدة وشفاه تمضع التاريخ كما العلكة!
لم نستوعب، حتّى اليوم، خراب الصفعة التي ضربنا بها هولاكو، فلم نتمكّن من الخروج من الشعر ولا من البياض الذي طرحنا فوقه هولاكو في انتظار ذريّته من بعده. وعلى الرغم من المآسي والنكبات والإنحطاطات التي منينا بها لتخاذلنا في قلب ديارنا، ما زلنا نذلّ الحبر باحثين عن أنفسنا تحقيقاً للمعجزات بالخطب والكيديات والعدائيّات والمقالات والحبر الفارغ المساير بحثاً عن الخروج من القبور المتزايدة والمتراكمة في هذا اللبنان الذي تهرب منه المخلوقات غير البشرية.