في الوقت الذي لا تزال فيه تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الموقف السعودي من الإستحقاق الرئاسي، لا سيما أنه لم يصل إلى مرحلة الحسم الواضح، من الضروري التوقف عند معطى أساسي يتمثل في موقف تكتل "الإعتدال الوطني"، الذي سبق له أن التقى السفير وليد البخاري في أكثر من مناسبة خلال أيام قليلة، حيث تعهد بعدم مقاطعة أيّ جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية ودعم أي مرشح يلتزم بوثيقة الوفاق الوطني واتفاق الطائف ويحافظ على العلاقات مع العرب والخليج العربي، وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية، والانفتاح على جميع الدول لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.
هذا الموقف من جانب التكتل، الذي جاء بعد إجتماع البخاري برئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، يُفسَّر بحسب مصادر سياسية بارزة على أساس أنه الدعم الأوضح لهذا التكتل لصالح فرنجية، الذي يريد من غالبية الكتل أن يقدم التعهد نفسه، لناحية عدم مقاطعة أي جلسة إنتخاب، ما يحول دون رفع ورقة النصاب أو الميثاقية المسيحية بوجهه، خصوصاً أنه لن يكون من الصعب عليه أن يجمع أكثرية من 65 صوتاً في حال كانت الرياض فعلاً في الموقع المحايد، وهذا الرقم يمكن القول بحسب المصادر أنه تحقق بانتظار الاعلان المناسب عنه في أي جلسة انتخابية مقبلة.
تمكن فرنجيّة خلال أسبوع واحد من تحقيق أمرين أساسيين له في مسيرته باتجاه قصر بعبدا، الاول يتعلق بإعلان السعودية بشكل واضح وصريح عدم وجود فيتو لديها على اسمه، بعد الزيارة التي قام بها الى مقرّ السفير السعودية، حيث أثبتت الزيارة أن رئيس تيار المردة الذي كان بحاجة الى الفرنسيين كوسيط مع المملكة بالشأن الرئاسي، لم يعد يحاجة اليها وأصبح بإمكانه النقاش بالضمانات والسياسة والخطّة الرئاسية مع المملكة بشكل مباشر عبر سفيرها في لبنان، والأمر الثاني هو تمكنه من الحصول "ضمنياً على دعم النواب السنّة المقربين من السعودية، والذين كانوا بالأصل من الداعمين لفرنجية لكن ينتظرون الموقف السعودي للبناء عليه.
إنطلاقاً من ذلك، يكون السؤال الأساسي يتعلق بقدرة قوى الثامن من آذار على إقناع المزيد من الكتل التي من الممكن أن تصوت لصالح فرنجيّة، أبرزها "اللقاء الديمقراطي"، والممتعضين من الأسماء التي يتم تداولها كتوافقية بين القوى المعارضة لفرنجية، ما يفتح المجال أمام تأمين أكثرية ناخبة تزيد عن 70 صوتاً لصالح زعيم المردة، تُحرج القوى التي من الممكن أن تذهب إلى خيار المقاطعة، على إعتبار أن تلك القوى لن تكون قادرة على الإستمرار في التعطيل، لا سيّما أن الأجواء الدولية تصبّ في خانة إنجاز الإستحقاق قبل نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خاصة بحال لم تتوافق على اسم مرشح، لأنه كلما زادت نسب تأييد سليمان فرنجيّة داخل المجلس، كلما صعُبت مهمة البحث عن مرشح توافقي بين قوى المعارضة، لأن أي مرشح لن ينطلق عندها سوى من عدد مؤيدين لا يتجاوز الخمسين نائباً، الا بحال كان الهدف إخراج التسوية بغلاف ديمقراطي، عنوانه التنافس بين مرشحين أو ثلاثة مرشحين.