توحي غالبية المؤشرات الداخلية بأن الأفرقاء اللبنانيين لا يزالون عاجزين عن إنجاز الإستحقاق الرئاسي، حيث جميع الإتصالات والمشاورات، القائمة على أكثر من جبهة، تدور في حلقة مفرغة، بسبب عدم القدرة على المبادرة الذاتية نحو خطوات من الممكن أن تمهد الطريق نحو الحل المنتظر.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم الشروط والشروط المضادة التي توضع من قبل كل جهة، حتى ولو كانت غير منطقية، فالفريق الذي يدعم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية يريد أن يفرض على الآخرين الإتفاق على مرشح منافس له، في حين ان المعارضين يريدون منه سحب هذا الترشيح للنزول إلى جلسة الإنتخاب، عندما يبادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى الدعوة لها.
بالتزامن، عاد الجميع إلى الرهان على الإستحقاقات الخارجيّة، التي من الممكن أن يكون لها تداعيات على الملف اللبناني، فاليوم تحديداً هناك من يدعو إلى إنتظار نتائج القمة العربية في السعودية، خصوصاً أنها تشهد حضور الرئيس السوري بشار الأسد بعد سنوات من القطيعة، على إعتبار أنها تأتي على ضوء تطورات جديدة على مستوى العلاقات السعودية الإيرانية.
في هذا السياق، تشير مصادر نيّابية، عبر "النشرة"، إلى أنه بات من المسلّم به أن ما كان يُحكى عن "لبننة" الإستحقاق الرئاسي وهم، نظراً إلى أن الأفرقاء السياسيين اصبحوا في حكم العاجزين عن القيام بأي مبادرة منطقية، بالرغم من إقتناعهم بأن ليس بينهم من هو قادر على حسم النتيجة من دون الآخرين، حيث تلفت إلى أن منطق الأمور كان من المفترض أن يدفع الجميع إلى طاولة حوار من دون شروط مسبقة، أو البحث عن الخيارات التي من الممكن أن تنتج رئيساً.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه بعد أشهر من الحديث المتكرر عن المواصفات الرئاسية، دخلت البلاد في الأسابيع الماضية لعبة الفيتوات المتبادلة بين الأفرقاء المتخاصمين، التي تنطلق من المعادلات التي يطرحها كل فريق في إطار سعيه إلى فرض وجهة نظره، حيث أن أحدهم يريد حواراً يحدد مسبقاً نتيجته، أي إنتخاب مرشحه، بينما في المقابل هناك آخر يريد أن يحرمه حتى من فرصة المنافسة الديمقراطية، من خلال إستمرار لعبة تصفية الأسماء دون الإختيار.
وتشير المصادر نفسها إلى أنه حتى الحديث المتكرر عن إمكانيّة الوصول إلى تفاهم بين قوى المعارضة و"التيار الوطني الحر" لن يقود إلى الحل، بل على العكس من ذلك سيكون جزءاً من المعادلات التي تقوم على مساعي تحسين أوراق القوة، التي قد تفتح الباب أمام البحث في خيارات جديدة أو تبقي الأمور على ما هي عليه اليوم.
على صعيد متّصل، ترى مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن حقيقة ما يحصل على المستوى الرئاسي تكمن في موقف فريقين محليين فقط: الأول هو رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط، أما الثاني فهو رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، نظراً إلى أنه في المقابل هناك المتاريس المرفوعة من قبل جبهتين متناقضتين، ترفض كل منهما الذهاب إلى تقديم أي تنازل، لأن الأخرى تريد الإستسلام المسبق لمعادلتها لا البحث في الخيارات المتاحة.
من وجهة نظر هذه المصادر، نقطة القوى التي لدى جنبلاط وباسيل تكمن في قدرتهما على التموضع في موقع الوسط بين الجبهتين، على أساس أنهما يعلنان، بشكل مباشر، رفضهما الذهاب إلى خيارات التحدّي التي ستعمّق الأزمة بدل معالجتها، بالرغم من الرهانات التي توضع على إمكانية تعديل موقفهما في لحظة ما، طارحين التسوية كمخرج بدل الإستمرار في المراوحة القائمة.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن الوقائع الحالية تضع الإستحقاق الرئاسي أمام إحتمالين أساسيين: الأول هو تدخل خارجي يفرض التسوية على الأفرقاء المحليين، الأمر الذي يتطلب عملا أكبر من الحالي الذي يتيح لهم الإستمرار على مواقفهم، أما الثاني فهو صدمة كبيرة تعيد هؤلاء الأفرقاء إلى رشدهم، من خلال حصول تطور كبير تصبح معه لعبة "عضّ الأصابع" القائمة مكلفة جداً لهم.