لا يوجد أي حكومة في العالم تُعلن عن نيّتها رفع رسوم الجمارك قبل أشهر من الموعد المحدد، فقط في لبنان، حيث تعمل الحكومات لصالح التجّار الكبار، حيتان التجارة.
عندما اعلنت الحكومة نيّتها رفع سعر الدولار الجمركي تهافت التجّار على الاستيراد، ومن بين هؤلاء تجار السيارات المستعملة الذين كدّسوا البضاعة داخل المعارض، وانتظروا ارتفاع الجمرك الذي كان على دولار 1500 ليرة، ثم 8000 ليرة، ثم 15 ألف ليرة، ثم "ضاعت الطاسة" بين 45 ألفاً و60 ألفاً وأخيراً 86 ألفاً حتى نهاية شهر أيار. كثُرت السيارات لدى الحيتان، وضاع صغار التجار، وصعُب شراء السيارة المستعملة.
بعد اعتماد سعر 86 ألفاً للدولار الجمركي في 12 أيار توقّف التجار عن الاستيراد، وغالبيتهم تعرضوا لضربة قاسية، وقلّة قليلة منهم كانت قد استوردت أعداداً كبيرة، تواجه اليوم صعوبة بتصريفها. لم يعد بإمكان المواطن دفع ثمن سيارة مستعملة الا بحال كان راتبه بالدولار ويزيد عن 1000 بالتأكيد.
لم تنفع كل محاولات التوصّل الى حلول وسطيّة مع وزارة المال لقطاع السيارات المستعملة، واليوم هناك مفاوضات بين نقابة مستوردي السيارات المستعملة والوزارة، وأيضاً بمشاركة نقابة أصحاب المعارض، والنظرة حول مصير المفاوضات ضبابيّة بحسب مصادر متابعة، فالماليّة غير قادرة على تلبية كل المطالب، والتي تراها المصادر ضروريّة لإنقاذ القطاع ومنع انهياره وخروجه من البلد.
تعتبر المصادر عبر "النشرة" أنّ المطالب الأساسيّة التي تزيد عن 10 يمكن تلبيتها على دفعات، مشيرة الى أنّ الأولوية هي لإلغاء رسم الاستهلاك المحدد بـ45 بالمئة من ثمن السيارة، مع العلم أنّ 5 بالمئة من ثمنها هو جمركها، بينما هناك حوالي 60 بالمئة هي رسوم متنوعة يدفعها التاجر، ويتحمّلها بالنتيجة المواطن اللبناني، بينما جمرك السيارات الجديدة هو فقط 5 بالمئة.
تكشف المصادر أنّ رسم الاستهلاك هذا فُرض على التجّار بعد مؤتمر باريس 2، ووضع تحت عنوان "رسم استهلاكي داخلي" وكان لبنان قد وقع سابقاً على معاهدة مع الاتحاد الأوروبي تنص على اعتماد 5 بالمئة كرسم جمركي، مشيرة الى أنّ تمرير هذا الرسم جاء بعد وعد بإلغائه بعد مرور عامين على بدء العمل به، لتغذية الخزينة العامة، لكنه لم يُلغَ بعد رغم مرور حوالي 20 عاماً.
الى جانب ذلك تتنوع مطالب التجار من الغاء رسم الـ3 بالمئة الذي فرضته ميزانية 2022، مروراً بتغيير طبيعة احتساب الشطور، وتعديل أرقامها، كاعتماد شطر الحد الادنى ملياران وخمسمئة مليون ليرة لبنانية احتراماً لقدرة شراء الموظفين الذين يتقاضون الحدّ الادنى، عدم مفاجأة التجار برفع أسعار الجمرك، تسهيل عملية دفع الأموال نقداً وعبر الشيكات، وصولاً الى تغيير طريقة التعاطي الجمركي مع السيارات الكهربائيّة.
تنظر وزارة الماليّة بحسب مصادرها الى الملفّ بطريقة جدّية، فهي تبحث عن الحلّ المناسب الذي لا "يقتل الذئب ولا يُفني الغنم"، فهي من جهة لا تستطيع تمييز دولار جمرك السيارات المستعملة فقط بشكل كامل، ولا تريد خسارة مورد هام للخزينة أيضاً.
طبعاً سيكون المواطن هو الخاسر الأكبر في كل هذه المسألة، كون التاجر لن يبيع بخسارة، والمواطن من سيدفع الفارق، وربّما ما يجري بقطاع السّيارات المستعملة، يشبه ما حصل بقطاع السّيارات الجديدة بداية الأزمة، وهو ما سينقل لبنان بحال استمرّ الى مصافي الدول التي تكون فيها قيادة سيارة "مرتّبة" حكراً على فئة نادرة من السكان.