قبل نحو عام من اليوم، إختار السفير السعودي وليد بخاري ذكرى استشهاد المفتي حسن خالد، كي "يزف" له نتائج الإنتخابات النيابية "المشرفة"، التي كانت قد أجريت قبل أيام من الذكرى، متحدثاً عن "سقوط كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية". في ذلك الوقت، فُسرت تلك الرسالة بأنها موجهة إلى بعض الشخصيات السياسية الحليفة لسوريا تاريخياً، نظراً إلى أن معظمها لم ينجح في العودة إلى المجلس النيابي.
من المفارقات اللافتة، في الوقت الراهن، أن تحضر رسالة سعودية جديدة، تم التعبير عنها في مقال نُشر في صحيفة "الرياض" يوم أمس، تتحدث عن العودة إلى معادلة "سين سين"، لافتة إلى أن "الفترة المقبلة ستشهد تحركاً سعودياً سورياً لحلحلة الأزمة اللبنانية بهدوء وحكمة"، بعد أن كانت القمة العربية، التي عقدت قبل أيام في مدينة جدة، قد شهدت عودة دمشق إلى الجامعة العربية.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بغض النظر عن المعلومات التي كانت تجزم بعدم طرح الملف اللبناني، خلال اللقاء الثنائي بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوري بشار الأسد، ما يعاكس كلياً ما ورد في "الرياض"، التي تحدثت عن أنه كان ذا أولوية في أجندة اللقاء، فإن الموقف السعودي من المفترض أن يقرأ ضمن إطاره الأوسع.
وتلفت هذه المصادر إلى أن الرياض كانت قد خرجت، في الأسابيع الماضية، من معادلة رفض ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، عبر الإشارة في أكثر من مناسبة، على لسان سفيرها في بيروت، إلى أنها لا تضع فيتو على أي إسم، الأمر الذي تسبب بحالة كبيرة من الإرباك في صفوف حلفائها، لا سيما أن هؤلاء كانوا يضعون السعي إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية، على رأس قائمة الأسباب التي تدفعهم إلى رفض ترشيحه.
بالإضافة إلى ذلك، توضح المصادر نفسها أن التحول في الموقف السعودي، الذي لا يزال البعض يرفض الإعتراف به، يأتي أيضاً من ضمن المسار الذي بدأ بعد الإتفاق الذي حصل مع إيران برعاية صينية، والذي كان من المتوقع، منذ البداية، أن يكون له إنعكاسات على العديد من الملفات الإقليمية، من اليمن إلى العراق وصولاً إلى سوريا ولبنان بشكل أساسي.
في هذا الإطار، تطرح المصادر السياسية المطلعة الكثير من علامات الإستفهام حول الحديث المتكرر عن دور سوري جديد في لبنان، بالتعاون مع الجانب السعودي، حيث تشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن هذا الأمر، بالرغم من أن الجميع يدرك أن لدى دمشق الكثير من الملفات الداخلية التي تنشغل بها.
من وجهة نظر هذه المصادر، قد تكون الرياض في وارد السعي إلى دور سوري، كوسيط أو مساعد في الملف اللبناني، أكثر من العودة إلى معادلة الـ"سين سين"، لا سيما أن السعودية أظهرت عدم رغبة في العودة إلى تفاصيل المشهد المحلي، في ظل التوازنات الداخلية المعروفة، وهو ما كان قد دفعها، في الفترة الماضية، إلى الإنسحاب بعض الشيء.
في المحصلة، الأيام المقبلة من المفترض أن تكشف مدى جدية هذا الطرح، أي التعاون السعودي السوري في الملف اللبناني، حيث تذكر المصادر نفسها بما كانت قد تتحدث به بعض الأوساط السياسية، لناحية أن تعزيز دور دمشق في لبنان من الممكن أن يضعف دور طهران بعض الشيء، لكنها تشدد على أن ما ينبغي دائماً التوقف عنده هو أن السياسة السعودية لن تعود إلى ما كانت عليه في السنوات الماضية.