من خارج سياق الأحداث السياسية اللبنانية، قرر رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط الإعلان عن إستقالته من رئاسة الحزب، والدعوة إلى مؤتمر عام إنتخابي في 25 حزيران المقبل، بعد أن تكون أمانة السر العامة في "الإشتراكي" قد أتمت التحضيرات اللازمة وفق الأصول وبحسب الآليات المعتمدة، وإصدار التعاميم ذات الصلة بمواعيد قبول طلبات الترشيح ومهلة الانسحاب، وكافة الشروط المتعلقة بالعملية الانتخابية وإعداد لوائح أعضاء المؤتمر العام وتوجيه الدعوات إليهم.
في الصورة العامة، كان هذا القرار متوقع من قبل جنبلاط الأب في أيّ لحظة، لا سيما أنّ مساره العام كان قد بدأ في شهر آذار من العام 2017، عندما سلّم نجله تيمور، في الذكرى الأربعين لإغتيال والده كمال جنبلاط، "كوفيّة الزعامة الجنبلاطيّة"، قبل أن ينتقل مقعده النيابي في الشوف لصالح نجله في العام 2018.
منذ ذلك الوقت، دخلت البلاد سريعاً في مجموعة من التبدلات التي حالت دون إنتقال مقاليد الزعامة بشكل كامل إلى تيمور، منها إنتفاضة 17 تشرين الأول من العام 2019 ولاحقاً جائحة كورونا، الأمر الذي فرض تحديات على "زعيم المختارة" من جهة، وعدم إنعقاد مؤتمر الحزب العام من جهة ثانية، الذي من المفترض أن يكون بوابة إنتقال رئاسة الحزب إلى الإبن.
في أجواء "الإشتراكي" ما يحصل ليس أمراً مستغرباً، فالقرار متّخذ منذ سنوات لكن الظروف منعت تنفيذه، حيث كانت أروقة الحزب قد شهدت، في السنوات الماضية، العديد من الخطوات التي تصب في إطار تسلم الجيل الجديد مراكز المسؤوليّة، بينما كان جنبلاط الأب قد ألمح، في أكثر من مناسبة مؤخراً، إلى أن القرارات باتت في يد نجله، من خلال التشديد الدائم، عند سؤاله عن أيّ إستحقاق أساسي، على عبارة: "سأتحاور مع تيمور".
إنطلاقاً من ذلك، تؤكّد العديد من القيادات "الإشتراكيّة" على أنّ الأمور ستكون متروكة إلى المسار الديمقراطي في الحزب، لكن الجميع يدرك جيداً أنّ المفاجأة الكبرى ستكون في حال عدم تسلم تيمور هذا الموقع، في حال كان لدى الأب من فكرة أخرى، وهو ما لا يمكن تصوره، في الوقت الراهن، لأن الأمور تسير وفق ما هو مخطط لها.
المسار الطبيعي على مستوى الحزب، لا ينطبق على ذلك القائم على مستوى البلاد، خصوصاً بعد التطورات التي كانت قد شهدها الإقليم، من الإتفاق السعودي-الإيراني إلى الإنفتاح العربي من جديد على سوريا، وجنبلاط الأب، بحسب ما هو متعارف عليه، من أبرز الشخصيات المحلّية القادرة على إلتقاط إشارات التحوّلات الكبرى في المنطقة، بينما على المستوى المحلّي من الممكن الحديث عن مرحلة مصيريّة، تؤكّد عليها الأسئلة الكبرى التي تطرح عند كل إستحقاق، لا سيما تلك المرتبطة بالصيغة والنظام.
من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، من المستبعد أن يكون قرار الإستقالة مقدّمة نحو الإنسحاب الكامل من الحياة السّياسية، حيث تشير إلى أنّ جنبلاط الأب سيكون هو المظلّة التي سيعمل تحتها جنبلاط الإبن، لا سيما أن الأخير، منذ البداية، لم يكن يفضل أن يكون في موقعه الحالي، وبالتالي هو سيبقى حاضراً في جميع التفاصيل مع إعطاء تيمور هامش أكبر على مستوى سلطة إتخاذ القرارات.
في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها، عبر "النشرة"، على أنّ ما يمكن الحديث عنه، في الوقت الراهن، هو أن "الإشتراكي" سيكون، في المرحلة المقبلة، أمام مسار جديد على مستوى العمل السياسي، سيسعى خلاله الأب للعمل على تسهيل مهمّة الإبن بأيّ طريقة، لكن الأكيد أنّ إبتعاده عن المشهد سيفقد تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية طعماً مميزاً، بغض النظر عن الموقف منه.