ما يُحكى عن دمج المتعلمين السوريين باللبنانيين، مفهوم جديد مفخخ، سيطيح ليس فقط بالشهادة الرسمية، بل وبقطاع التربية ككل!.
بداية لأن الدمج -بحسب طرحه اليوم- يشكل تعبيرا مُشوها ومفخخا في آن... ففي الأساس يكون الدمج خلطا للجزء بالكل، وللكل بالجزء، كي نحصل على خليط متجانس يقلل من الفوارق في السمات والقدرات والمهارات بين الطلاب، فيقوي بعضها البعض ويكمل بعضها الآخر. وأما عندنا فيؤدي الدمج -إذا ما اعتُمد- إلى مجموعتين طالبيتين، لا تتساوى سوى في العدد... وأما الأسس التربوية فمعدومة!. وتاليا يكون في الصف مستويان من المتعلمين: أحدهما تمرس في مهارات التحليل والآخر اعتاد على الأساليب التلقينية في التعلم... فهل من إمكان بعد، ليقوي أحد قسمي الصف المدرسي، القسم الآخر؟...
أمثلة عن الدمج
من الأمثلة الكثيرة لخلط الجزء بالكل عبر الدمج، أن يتعلم التلميذ مثلا من أقرانه، كيف يرسم خارطة محددة... وأما خلط الكل بالجزء، ففيه مثلا تحويل الخريطة الذهنية إلى خريطة مفاهيم، ومن ثم تكملتها بالمفاهيم الناقصة، لتحويلها إلى خريطة ذهنية متكاملة.
وأما الدمج بمفهومه الشامل، فهو دمج عنصرين اثنين أو أكثر، متشابهين أو مختلفين أو متناقضين أو بينهما فوارق في الجنس والنوع، في قالب واحد، أو قوالب عدة... والهدف من ذلك هو مواءمة أنماط شخصية المتعلمين وسماتهم، من حيث: الأهداف، والوسائل، والاستراتيجيات، وأساليب التقويم وأنماطه... تمهيدا لما سيحضره المعلم من شرح أو سيلحظه في محور إعداد الدروس. فهل يدرك الداعون إلى دمج المتعلمين السوريين باللبنانيين، هذه النظريات في الدمج السليم؟...
مهارات الدمج
ومن المهارات التي يؤمنها الدمج السليم، رسم أهداف الدرس بمشاركة المتعلمين (دمج في الإعداد)... وثمة دمج آخر بين أهداف المتعلمين، وأهداف العملية التعليمية، وفكر معلمهم، ما يؤدي إلى مستوى الدعم الذي قد يحتاج إليه المتعلم (النظرية البنائية)...
وثمة دمج تكويني، يقوم على ربط موضوع الدرس بالدروس السابقة، وكذلك بالمواد الأخرى. ويشكل ذلك دمجا تكوينيا أفقيا ورأسيا (مفاهيم البكالوريا الدولية-IB).
وثمة دمج بين الحواس ووسائل الاتصال، يُعبر عنها بتنوع الوسائل التعليمية، السمعية منها والبصرية، والحسية والمكتوبة...
وثمة دمج آخر يقوم على الدمج بين الحاضر والماضي والمستقبل، من خلال تنوع الاستراتيجيات بين الحديث منها والقديم، بين التعلم النشط والمحاضرة، وبين الاستقصاء والحوار والمناقشة...
وفي هذا الإطار يدخل الدمج بين السبورة التقليدية والإلكترونية، والدمج بين قلم السبورة العادية والتابلت، وبين تطبيق التقويم بالأسئلة الشفهية أو المكتوبة أو بـ "غوغل فورم"... وكلها عناصر دمج بين الماضي والحاضر وصناعة المستقبل.
ولكن الغريب أن كل هذه الأنماط من الدمج، لا تصلح للدمج المدرسي المزيف الذي يجاري فيه جهابذة السياسة والتربية عندنا، شروعا توطينيا تعمل له الأمم المتحدة، بخارطة طريق تشكل التربية إحدى محطاتها...
مفهوم التمايز
إن إسقاط مفهوم التمايز على كل محاور إعداد الدروس، هو بمثابة دمج وتقدير لكل مكونات المتعلمين وقدراتهم وميولهم واتجاهاتهم ومهاراتهم...
كما وأن الدمج يُؤدي إلى تذويب الفوارق بينهم، ويحمي نقاط الضعف عند البعض، ويقوي نقاط القوة عند الآخرين... إلا أن الأمر يتطلب شروطا معينة لا تنطبق حكما على الدمج الهمايوني المثار الآن في لبنان!.