منذ تاريخ حديث رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن ضرورة إنتخاب رئيس الجمهورية المقبل، قبل الخامس عشر من حزيران، طُرحت الكثير من الأسئلة حول ما إذا كان ما تحدث عنه مهلة حثّ أم مهلة ملزمة، لا سيما أن المعطيات الرئاسية، على المستوى الداخلي، كانت لا تزال على حالها.
في الأسابيع الماضية، برزت العديد من التطورات التي من الممكن الإستناد عليها من أجل الحديث عن واقع جديد، بالرغم من أن كل فريق عمل على قراءتها وفقا لما يخدم مصالحه، حيث كانت بعض الأوساط السياسية تؤكد أن الإستحقاق الرئاسي دخل مرحلة جدية، لا سيما أن بعض الجهات الخارجية كانت حذرت مسؤولين لبنانيين من إحتمال فرض عقوبات على المعرقلين، الأمر الذي دفع إلى التراجع عن التلويح بورقة تعطيل النصاب، على وقع تبادل الإتهامات حول المسؤولية عن العرقلة.
بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار، عدم إتفاق الآخرين على مرشح رئاسي كان الحجة التي تحول دون دعوة رئيس المجلس النيابي إلى جلسة إنتخاب، في حين كان هؤلاء يرددون بأن ليس هناك ما يلزمهم بالكشف عن خياراتهم، لكن الأمور، في الأيام الماضية، تبدلت، خصوصاً مع قرب إعلان التفاهم، بين بعض الكتل النيابية المعارضة و"التيار الوطني الحر"، على تبني ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنه على الرغم من إدراك الجميع أن ترشيح أزعور، في ظل الظروف الحالية، لن يقود إلى إنتخابه، إلا أن ذلك لا يعني أنه لن يكون له تداعيات على المسار العام، على إعتبار أنه، بالحد الأدنى، يضعف ترشيح رئيس تيار "المردة"، نظراً إلى أن الأول يتمتع بدعم غالبية القوى المسيحية، كما أنه يفتح الباب أمام الأفرقاء الخارجيين للضغط بطريقة مختلفة.
وتلفت هذه المصادر إلى ضرورة التنبه إلى الأجواء الفرنسية، التي كانت قد أظهرت بعض التراجع عن التمسك بترشيح فرنجية، بعد الزيارة التي قام بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى باريس، حيث ترى أن الأمور ستكون مختلفة في المرحلة المقبلة، بسبب عدم القدرة على تجاوز موقف الأفرقاء المسيحيين.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم حجم الهجوم الذي شنته قوى الثامن من آذار على التفاهم المنتظر حول أزعور، على إعتبار أنّه يؤثر على حظوظ مرشحها الرئاسي بشكل سلبي، في حال لم يكن قادراً على إسقاطها بالضربة القاضية، بالرغم من أنه لا يعني القدرة على إيصاله إلى القصر الجمهوري، نظراً إلى أنّ الأمر مرتبط بمعادلة أكبر، تتطلب حصوله على موافقة هذه القوى.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، كان الجميع ينتظر إمكانية أن تصدر المزيد من الإشارات الحاسمة عن السعودية، على إعتبار أن هناك العديد من الأفرقاء المترددين الذين ينتظرون موقفاً واضحاً منها، لكن المفاجأة كانت بوصول إشارة بارزة من الولايات المتحدة، بعد إعلان مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف، أن بلادها تنظر في إمكانية فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، على خلفية عدم انتخاب رئيس الجمهورية.
من وجهة نظر هذه المصادر، هناك بعض الأفرقاء الذين لا يتأثرون بهذا التهديد، تحديداً "حزب الله" ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، على إعتبار أن مثل هذه العقوبات مفروضة عليهما لأسباب أخرى، لكن في المقابل هناك أفرقاء آخرين سيأخذون بعين الإعتبار هذا المعطى، بالرغم من أنه قد لا يكون حاسماً في إنجاز الإنتخابات الرئاسية، على إعتبار أن الأمور بحاجة إلى تسوية مسبقة على إسم محدد تضم غالبية الأفرقاء.
في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن ما يمكن الحديث عنه، في الوقت الراهن، هو تجمع المعطيات التي تصب في إطار كسر حالة الجمود القائمة، سواء كان ذلك من خلال الإتفاق على إسم جدي منافس لفرنجيّة أو عبر التلويح الرسمي بورقة العقوبات، من دون تجاهل التداعيات التي من الممكن أن تترتب على الشغور في موقع حاكم مصرف لبنان، مع إقتراب موعد نهاية ولاية رياض سلامة.