على الرغم من الموقف السلبي الذي عبّرت عنه قوى الثامن من آذار، في الأيام الماضية، بالنسبة إلى تسارع وتيرة المفاوضات والمشاورات بين بعض الكتل النيابية والمعارضة، للإتفاق على تبني ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، إلا أن ذلك لا يلغي أهمّية هذا التحوّل الذي سيكون له صداه الكبير على المستويين الداخلي والخارجي.
على المستوى الخارجي، من الضروري التوقف عند نقطتين أساسيتين: الأولى هي التلويح الأميركي بورقة العقوبات على المعرقلين، أما الثانية فهي الموقف الفرنسي المستجد، بعد أن كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد تبلغ، من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بموقف القوى المسيحيّة من ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، بالإضافة إلى توافقها على تبني ترشيح أزعور.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن التطور الأهم سيكون على المستوى الداخلي، خصوصاً بالنسبة إلى مسار الدعوة إلى جلسة إنتخاب من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حيث تلفت إلى أن الأخير سيكون محرجاً في عدم توجيه الدعوة، بعد الإعلان عن الإتفاق على أزعور، وهو ما كان قد دفعه إلى إصدار موقف واضح في هذا المجال أول من أمس، بعد ذلك الذي كان قد أعلن عنه البطريرك الراعي في اليوم نفسه.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ما ينبغي التوقف عنده هو أن هناك مساع جدية لفرض الذهاب إلى جلسة إنتخاب، لا سيما أنّ أزعور يتصرف على أساس أنّ الأمور تتجه نحو مبارزة مع رئيس تيار "المردة" في المجلس النيابي، بالرغم من الرسائل التي كان قد بعث بها، في الفترة الماضية، عن أنه لا يريد أن يكون مرشح تحد أو مواجهة، وهو ما يفسر حالة الإستنفار القائمة على مستوى قوى الثامن من آذار، التي لن تكون قادرة إلا على التعامل الجدي مع هذا التحول.
إنطلاقاً من ذلك، تتحدّث المصادر عن مجموعة من السيناريوهات التي ستفرض نفسها، بعد الإعلان عن تبني ترشيح أزعور بشكل رسمي:
-السيناريو الأول: هو توجيه رئيس المجلس النيابي الدعوة إلى جلسة إنتخاب، يتنافس فيها فرنجيّة وأزعور، من دون أن يملك أياً منهما القدرة على جمع 65 صوتاً، ما يعني عدم القدرة على الوصول، حتى ولو وصلت الأمور إلى الجولة الثانية من الإقتراع.
-السيناريو الثاني: هو أيضاً توجيه بري الدعوة إلى جلسة إنتخاب، يتنافس فيها فرنجية وأزعور، لكن مع فارق جوهري يتمثل في ظهور إمكانيّة أحدهما على الوصول إلى أكثرية 65 صوتاً في الجولة الأولى، الأمر الذي من المرجّح أن يدفع بالمعارضين إلى تطيير نصابها قبل الوصول إلى الجولة الثانية.
-السيناريو الثالث: هو تمنع رئيس المجلس النيابي عن توجيه الدعوة إلى جلسة إنتخاب، على قاعدة أن تداعيات هذا الأمر في ظلّ الإنقسام القائم ستكون خطيرة، الأمر الذي بات من المستبعد حصوله، نظراً إلى أنّ الضغوط الداخليّة والخارجيّة ستكون كبيرة في هذه الحالة.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، من المستبعد تصور إمكانية الذهاب إلى سيناريو رابع يقوم على أساس تسليم جميع الأفرقاء اللبنانيين باللعبة الديمقراطيّة، أيّ ترك الأمور تذهب إلى الجولة الثانية بغض النظر عن النتيجة التي من الممكن أن تظهر، على إعتبار أن ليس من بينهم من هو في وارد تسهيل وصول أي مرشح من دون أي تسوية مسبقة، مع العلم أن التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك ستكون كبيرة.
في المحصلة، تدعو المصادر نفسها إلى التوقف عند الرسالة التي كان قد أطلقها البطريرك الراعي، لناحية أنّ الفاتيكان وفرنسا طلبا منه العمل داخلياً مع باقي المكونات، حيث تشير إلى أنّها تأكيد على أنّ إنتخاب الرئيس لا يمكن أن يتمّ من دون توافق واسع بين مختلف الأفرقاء، وبالتالي ترشيح أزعور لن يقود، على الأقلّ في المرحلة الأولى، إلا إلى عودة المعركة إلى المربّع الأول، الذي يقوم على أساس الذهاب إلى حوار من دون شروط مسبقة متعلقة بالأسماء.