قد يكون الإعلان عن "تقاطع" مجموعة من الكتل النيابية المعارضة مع "التيار الوطني الحر"، على تبني ترشيح الوزير الأسبق جهاد أزعور للإنتخابات الرئاسية، هو الحدث الأبرز منذ تاريخ دخول البلاد الشغور الرئاسي، بعد نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، على إعتبار أنّ دعم قوى الثامن من آذار لرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجيّة، كان أمراً محسوماً منذ ما قبل الإنتخابات النيابية الماضية.
وفي حين لا تزال قوى الثامن من آذار، لا سيما "حزب الله" و"حركة أمل"، تتعامل مع هذا "التقاطع" على أساس أنه "مناورة"، إلا أن ذلك لا يلغي أهميته، على إعتبار أنه ينقل الصراع الرئاسي إلى مرحلة جديدة، خصوصاً أن أزعور يحظى بدعم غالبيّة القوى المسيحيّة، كما أنّ عدد الأصوات، التي من الممكن أن ينالها، يوازي، إن لم يكن يتخطّى، تلك التي من المفترض أن تصبّ لصالح فرنجيّة.
على الرغم من ذلك، لدى مصادر سياسية مطّلعة قراءة مختلفة لمواقف القوى الداعمة لترشيح أزعور، تشير إلى أنّ غالبيتها لا تنظر له على أساس أنّه مرشح نهائي، بل على العكس من ذلك الهدف منه "إطاحة" ترشيح رئيس تيار "المردة"، قبل الإنتقال إلى مرحلة جديدة من المفاوضات، عنوانها البحث عن المرشح القادر على تأمين، بالحد الأدنى، 86 صوتاً لصالحه، على إعتبار أن توفير 65 صوتاً لصالحه لا يعني وصوله إلى القصر الجمهوري.
في هذا السياق، تشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أنه في الإعلان عن تبني ترشيح أزعور، كان من اللافت أن القوى الداعمة له أكدت، بشكل أو بآخر، أنّه ليس المرشح المفضّل لديها، لكنه الإسم الذي من الممكن أن يحصل "التقاطع" عليه فيما بينها، في حين لدى كل منها أسماء أخرى تفضلها، إلا أن الأهم هو أن لدى هؤلاء توجّهات مختلفة من هذا الترشيح، من المفترض أن تؤثر على طريقة التعامل معه في المرحلة المقبلة.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن القوى التي كانت تتبنى ترشيح رئيس حركة "الإستقلال" ميشال معوض، باستثناء "الحزب التقدمي الإشتراكي"، تنطلق في دعمها له من معادلة أنّ الإتفاق عليه يكسر المعادلة التي كانت قوى الثامن من آذار تسعى إلى فرضها، وهي في الأصل تعتبر نفسها في مواجهة مفتوحة مع "حزب الله"، أمّا "التيار الوطني الحر" فهو يوجّه رسالة إعتراض إلى الحزب، الذي لم يأخذ بعين الإعتبار رفضه لترشيح فرنجية.
في الوقت الراهن، يبدو أن قوى الثامن من آذار لا تضع أمامها إلا خيار مواجهة هذا التحوّل المستجد، الذي تنظر إليه على أنّه تحدّ لها، وهي تملك ورقة ذهبيّة، من المرجّح أن تذهب إليها، لمنع إنتخاب أزعور رئيساً، في حال نجح بتأمين 65 صوتاً داعماً له، هي تعطيل نصاب جلسات الإنتخاب، خصوصاً في الجولة الثانية من التصويت، بالإضافة إلى إمتلاكها ورقة الميثاقيّة الشيعيّة.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، التحدّي الأساسي اليوم هو معرفة توجّهات الكتل النّيابية التي لم تكشف عن خياراتها النهائيّة بعد، لا سيما "الحزب التقدّمي الإشتراكي" والنواب السنّة المستقلّين، على أساس أن هذا الأمر يؤثر على الخطط التي قد يذهب إليها كل تجمع من التجمعين الكبيرين، لكنها في المقابل تعتبر أن هناك جملة من المعطيات المؤثرة، التي ستكون حاضرة في المقبل من الأيام، نظراً إلى وجود أفرقاء، منهم من أعلن دعمه لأزعور، لا يريدون الدخول في لعبة التحدي أو الكسر.
من وجهة نظر هذه المصادر، جميع القوى الداعمة لترشيح أزعور تملك القدرة على الخروج منه بكل سهولة، عند حصول أيّ تحول مستجدّ على المستوى الداخلي أو الخارجي، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى ترشيح رئيس تيار "المردة"، لأنه مرشح "تقاطع" لا يمثل فريقاً سياسياً ملتزماً به، وبالتالي التراجع لا يعتبر إنكساراً لهذا الفريق أو هزيمة له، كما هو حال فرنجيّة الذي يعلن فريقه السياسي أنه مرشحه النهائي، رافضاً حتى الآن أيّ حديث عن خطة بديلة.
في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أنّ أهم نقطة في تبنّي ترشيح أزعور، هي أنّ القوى الداعمة له تتفق على الإسم لا المشروع، ما يعني إمكانيّة عودتها إلى الخلافات الماضية عند بروز معطيات جديدة متعلّقة بإسمٍ آخر، لا سيما عندما تتأكد إستحالة وصوله في ظلّ موقف قوى الثامن من آذار منه، بدليل الصراعات التي كانت قائمة فيما بينها في الأسابيع الماضية، والتي يسيطر عليها عامل عدم الثقة.