ترجم رئيس مجلس النواب نبيه برّي كلامه بأن جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ستكون قبل الخامس عشر من شهر حزيران، فحدّد الرابع عشر موعداً لتلك الجلسة. لم يكن مؤيدو أو خصوم كِلا المرشحيْن رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد ازعور على علم بخطوة وتوقيت رئيس المجلس للجلسة، لا بل ان حلفاء بري السياسيين سمعوا بالموعد عبر الاعلام، مما يعني ان رئيس مجلس النواب لم يأخد بعين الاعتبار تعداد الأصوات الذي يجريه مؤيدو الفريقين، وهو ما يناقض كل مضمون الحملة التي نظّمها خصوم فرنجيّة ضد رئيس المجلس بشأن "محاولته لعقد جلسة تضمن نجاح الاخير".
يفصل بري بين موقفه السياسي وتأييده الواضح لرئيس تيار "المردة"، وممارسته دوره في رئاسة المجلس النيابي. لذا، ولمجرد الإعلان عن ترشيح أزعور رسمياً من جانب كتل نيابية، أقدم على تحديد موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. لكن هل ستنعقد الجلسة؟.
تشير كلُّ المعطيات إلى أن كِلا الفريقين يسعيان لتأمين غلبة في أعداد الأصوات، مع علمهما أن كلاّ من فرنجية وأزعور لن يحصلا، لغاية الآن، على ما يفوق ٦٥ صوتاً، اضافة الى أنّ مؤيدي ازعور يعرفون سلفاً انه لن يكون رئيساً للجمهورية، وان استخدام ترشيحه يتم لحسابات أساسها قطع الطريق على فرنجية واجبار مؤيدي رئيس "المردة" على البحث عن خيار اخر. وهو ما يسلكه رئيس التيار "الوطني الحر" النائب جبران باسيل لاقناع "حزب الله" بالتفاهم على اسم بديل، بينما يريد رئيس حزب القوات سمير جعجع اصابة اكثر من هدف: الدفع بإتجاه قطع علاقات باسيل بحزب الله، "للتفرد بالتيار الوطني الحر مستقبلا في الانتخابات وغيرها من الاستحقاقات السياسية الداخلية، واحراج باسيل شعبياً، خصوصاً في الساحة المسيحية".
على خط مؤيدي فرنجية، لم يُتخذ القرار بعد بشأن التعامل مع جلسة الانتخاب وسط الحديث عن ثلاثة سيناريوهات:
اولاً، في حال حصلت متغيرات سياسية تُتيح تأمين مزيد من الاصوات لفرنجية، مما يعني انتخابه في الجلسة المقبلة. وهو امر مستبعد لغاية الان.
ثانياً، مقاطعة جلسة الانتخاب لمنع الدخول في مقارنات بين فرنجية وازعور، في حال كان التقارب في اعداد الاصوات بينهما.
ثالثاً، الاقتراع بالورقة البيضاء في وجه اصوات ازعور.
وعليه، فإن الوقائع تشير، لغاية الان، الاّ انتاجية لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، وان المشهد سيكون نفسه في تكرار الجلسات السابقة، الا في حال حصلت متغيرات تتيح انتاج توافق مسبق.
لكن هناك معوقات، يبدو انها عابرة للحدود، بمعنى وجود مؤشرات لا عربية ولا اقليمية، بل هل اميركية لتأخير ترجمة الإتفاق الفرنسي-الاقليمي بشأن انتخاب فرنجية. لماذا؟ يحضر في المجالس السياسية حديث عن ان واشنطن ترغب في عرقلة وصول مرشح يدعمه "حزب الله" في زمن التفاوض الاميركي-الايراني، وتعتبر ان الورقة اللبنانية فاعلة على طاولة التفاوض المفتوح عبر سلطنة عمان. بينما يتصرف الايرانيون على قاعدة انهم غير معنيين بملف الرئاسة في لبنان، وهو ما ابعد الملف اللبناني عن الطاولة الايرانية-السعودية. لذا، يتصرف السعوديون ايضاً من منطلق الا علاقة لهم، لا سلبية ولا ايجابية، بشأن اي مرشح للرئاسة في لبنان. وبهذا المعنى فإن الرياض لا تشاكس واشنطن ولا تعارض توجهات حلفاء طهران، وهي اكتفت برفع "الفيتو" عن فرنجية بعدما سمعت منه مواقف مطمئنة بشأن دور لبنان عربياً والالتزام بإتفاق الطائف.
وتقول المعلومات نفسها، بأن اي تقدم في المفاوضات الايرانية-الاميركية وطرح ملف لبنان، سيؤدي الى وقف واشنطن ضغوطاتها، ويحوّل حلفاءها في لبنان من مساحة الاعتراض الى الورقة البيضاء. لذا، فإن داعمي فرنجية ليسوا في وارد التنازل عن ترشيحه، وهم يعتبرون ان "التهويل بالعقوبات الاميركية يعزّز من فرضيتهم بأن الضغوط اتية من واشنطن لاحباط الاتفاق الفرنسي الاقليمي بشأن لبنان". فما العمل؟ يأتي الجواب: ستتكرر محطة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، اي ان داعمي فرنجية سينتظرون لغاية حصول مستجدات ستأتي بعد اشهر او سنة او سنوات.
ولماذا ستأتي المستجدات لصالح حلفاء فرنجية؟ يعتبر المطّلعون انّ مؤيدي ترشيح رئيس "المردة" يملكون اوراقاً عدة في لبنان والاقليم، "وهم اصحاب نفوذ وقرار في الامن والسياسة، وان اي تفاوض سيكون معهم ومع حلفائهم، بينما لا تأثير لخصوم فرنجية في موازين القوى المحلية والاقليمية".