منذ تاريخ إنطلاق التحركات الشعبية، في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، لم تتوقف التقارير الدوليّة التي تحذر من الواقع الذي وصلت إليه البلاد، لا سيما على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، من دون أن يقود ذلك إلى أي ردة فعل من قبل القوى السياسية الفاعلة، في مؤشر خطير على حالة عدم المبالاة التي يتعاطى بها هؤلاء.
في الوقت الراهن، تنتظر تلك القوى، بعد أن أثبتت عجزها عن الوصول إلى حلول منطقية، ما قد يأتي من الخارج من مقترحات، لتجاوز الإستحقاق الأبرز، أي الإنتخابات الرئاسية، نظراً إلى أنها لا تعرف إلا لغة التحدّي، التي لن تقود إلى أيّ معالجة عمليّة، بعد أن كانت، على مدى السنوات الماضية، قد ربطت الملفّ اللبناني بالعديد من الإستحقاقات الخارجية.
في هذا السياق، ينتظر الجميع ما قد يحمله معه المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي يزور لبنان في هذه الأيام، لمعرفة ما إذا كان من الممكن أن يقود الحراك الذي يقوم به إلى إنتاج تسوية رئاسيّة، بعد أن أثبتت جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية الماضية عجز أي فريق عن إيصال مرشّحه دون الآخرين، وسط معطيات تؤكد صعوبة الوصول إلى ذلك في المدى القريب.
قبل جلسة ممثلي تلك القوى مع المبعوث الرئاسي الفرنسي، الذي ينتظر أن يستمع منهم إلى مواقفهم وإقتراحاتهم لتقديم تقريره إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، قد يكون من المفيد أن يبادر الموفد الفرنسي إلى توزيع نسخة من التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، أول من أمس، عليهم، على أمل أن يعيدهم ذلك إلى رشدهم، خصوصاً في ظل المعطيات الخطيرة التي كشف عنها.
في هذا التقرير، تحدثت "اليونيسيف" أن حوالي 9 من كل 10 أسر في لبنان لا تملك ما يكفي من المال لشراء الضروريّات، على الرغم من خفضها للنفقات بشكل كبير، كما لفت إلى أن عدداً متزايداً من الأسر يضطر إلى اللجوء لإرسال الأطفال، بعضهم لا يتجاوز 6 سنوات، للعمل، في محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة، ما يعكس صورة واضحة عن الواقع الذي تسببت به تلك القوى نتيجة السياسات التي انتهجتها على مدى سنوات طويلة.
في هذا الإطار، لم يكن اللبنانيون ينتظرون صدور مثل هذا التقرير لمعرفة هذه الحقيقة، فهم يعيشونها بشكل يومي، بعد أن قضت الأزمة الحالية على أمال الكثيرين منهم، في حين أن ما كانوا قد تبلغوا به، في الفترة الماضية، عن أقساط المدارس الخاصة في العام المقبل، يؤكد المصير الذي ينتظر أطفالهم في المستقبل، خصوصاً أن القوى السياسية، التي تمسك بمفاصل الدولة، لم تؤمّن لهم البديل، فواقع التعليم الرسمي معروف ولا يحتاج إلى الكثير من الشرح.
إلى جانب ما هو حاصل على المستوى التربوي، لا يمكن تجاهل ذلك القائم على المستوى الصحي أو الغذائي، أي الأولويات الأساسية التي تسعى الدول التي تحترم نفسها إلى تأمينها لمواطنيها، وهو أيضاً لا يحتاج إلى تقارير دولية للكشف عنه، لكنه يحتاج إلى ما قد يوقظ القوى السياسية للمبادرة إلى معالجته، أو حتى فقط وضعه على رأس قائمة أولوياتهم.
في المحصّلة، اللبنانيون اليوم يدفعون ثمن خياراتهم الإنتخابيّة على مدى سنوات طويلة، خصوصاً أن القسم الأكبر منهم عمد إلى تجديد الثقة بالقوى السياسية نفسها، في الإنتخابات النيابية الماضية، فهل هم أيضاً، كما ممثليهم، تعودوا أيضاً على إنتظار الحلول الخارجية؟.