سألت أحد الموظفين في "العقارية" عن الموعد المفترض لعودتهم الى العمل بشكل طبيعي أو حتى شبه طبيعي، فقال في شهر أيلول المقبل، فسألته عن السبب الذي جعلهم يحددون شهر أيلول موعداً لعودة العمل فلم يعرف الإجابة. يبدو أنّ موظفي العقارية أصبحوا كغيرهم، يربطون المواعيد باستحقاقات لا علاقة لهم بها، فالموعد المحدّد بأيلول يرتبط بما يُقال مؤخراً عن أنّ الفراغ الرئاسي سيستمر حتى الخريف، مع العلم أنّه عند الموعد المفترض لانتخاب رئيس للجمهورية في شهر حزيران، كانت "العقارية" ستعود الى العمل في نفس الشهر.
هي لعنة ربط مصير شعب بأكلمه بمواعيد واستحقاقات غالباً ما لا يكون للبنان أو اللبنانيين علاقة بها، وهذه اللعنة انتشرت بشكل واسع بعدما فقد اللبنانيون كامل الثقة بأنفسهم وبقياداتهم، ودخلوا الأزمة الاقتصاديّة عام 2019 على أمل الخروج منها سريعاً.
من الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة وخروج دونالد ترامب من الحكم، مروراً بانتخابات إيران الرئاسيّة والبرلمانيّة، والنيابية السورية، وقضية اليمن والملف السوري والنووي الإيراني والعلاقات الإيرانية السعودية، والعربية السورية، وصولاً لموعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، واليوم الملف النووي من جديد وانتظار التسوية الخارجية لكي تُطل برأسها داخل لبنان.
يسري هذا الربط على كل الملفات الحياتية للبنانيين، لا الاستراتيجية فقط، أو تلك المتعلقة بالمراكز الأولى في الجمهورية، إذ تُشير مصادر متابعة عبر "النشرة" إلى أن القطاع العام لن يعود الى سابق عهده، وحتى العمل الجاري في دوائر مصلحة تسجيل السيارات لا يمكن اعتباره عودة الى تشغيل القطاع بشكل طبيعي، فالقطاع العام يرتبط بما يُرسم لمستقبل لبنان، لذلك وكون الحكومة غير قادرة على إنتاج حلول تُتيح للموظفين العودة الى العمل بشكل طبيعي، ولكون الموظفين غير راغبين بالعودة أصلاً الى عمل انقطعوا عنه طيلة 3 سنوات، ولو بشكل متقطع، أصبح العمل بدوائر "العقارية" مرتبطاً بمستقبل البلد الذي ينطلق من رئاسة الجمهورية المتعلّقة بدورها بقضايا المنطقة ومنها القضية النووي الإيرانية التي تتسارع وتيرة العمل عليها راهناً.
من هنا يصبح الجواب عن موعد عودة العمل في "العقاريّة" مرتبطاً بملفّات استراتيجيّة كبرى، خاصة أن موظفيها، المدراء منهم، الذين دخلوا السجن بسبب قضايا فساد ينتمون الى طوائف متعددة، وهذا ما يجعل تعيين البدلاء امراً بالغ الصعوبة في بلد مثل لبنان، قبل اتضاح الصورة المستقبلية.
إذا بحسب معلومات "النشرة"، لن يعود العمل الطبيعي بدوائر العقاريّة قريباً، وعليه ستبقى الملفّات خاضعة لرغبات الموظفّين وابتزازهم، فمن يدفع يحصل على الخدمة بأقرب فرصة ممكنة، ومن لا يدفع عليه إنتظار تبدّل موازين القوى العالميّة لإنهاء معاملته.
لم يتعلم المسؤولون اللبنانيون من تجربة الخلاف الإيراني-السعودي سابقاً فكانوا من أبرز الذين دفعوا ثمنه، ولأنهم كذلك لم يتمكنوا من قبض ثمن التفاهم بين الإيرانيين والسعوديين، والغريب اليوم أن هؤلاء ينتظرون أوامر خارجيّة للحوار والاتفاق، وبالتالي فلا يعنيهم كل تعاريف العمل السياسي الحقيقي، فالسياسة لخدمة الناس، بينما في لبنان لخدمة المصالح الخاصة الفئوية والحزبية والطائفية، وستبقى كذلك.