منذ تاريخ دخول البلاد مرحلة الشغور الرئاسي، بعد نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، تدور النقاشات السياسية حول فكرة لم تنضج بعد، عنوانها الأساسي الذهاب إلى حوار من دون شروط مسبقة، سواء بالنسبة إلى حتمية إنتخاب شخصية معينة أو لناحية الدعوة إلى سحب ترشيحها قبل الذهاب إلى هذه الخطوة، الأمر الذي لا يزال بعض الأفرقاء يرفضونه بشكل مطلق.
طوال الأسابيع الماضية، كانت معظم القوى السياسية تنتظر ما قد يأتي من الخارج من إشارات تصب لصالح هذا الفريق أو ذاك، لكن حسابات الرهانات لم تتطابق مع بيدر النتائج العمليّة، وهو ما تأكد رسمياً بعد زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، الذي لم يحمل معه أيّ مبادرة جديدة، بل جاء مستطلعاً.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّه في الوقت الذي كانت فيه الغالبية تنتظر ما سيعرضه لودريان عليها، بعثت الإدارة الأميركية، على لسان سفيرتها في بيروت دوروثي شيا، رسالة بالغة الأهمية، تعيد البحث الرئاسي إلى المربع الأول، أي إلى تاريخ صدور بيان نيويورك الثلاثي، من خلال التشديد على ضرورة إنتخاب رئيس غير فاسد أو خاضع للنفوذ الخارجي، ويمكنه العمل مع حكومة ذات صلاحيات لتنفيذ إصلاحات تعيد اقتصاد البلاد إلى مساره.
بالتزامن، تلفت هذه المصادر إلى أنّ هذا الموقف لا يتناقض مع حصيلة المشاورات الفرنسيّة السعوديّة، التي عقدت مؤخراً في باريس، حيث كان موقف الرياض واضحاً لناحية عدم التركيز أو الإهتمام بالملف اللبناني، الأمر الذي يؤشّر إلى أنّها لا تزال متمسّكة بالشروط التي كانت قد وضعتها سابقاً، بغض النظر عن بعض الليونة التي كانت قد أظهرتها في الفترة الماضية، والتي تصب في الإطار التكتيكي لا الإستراتيجي، في حين بات من المعلوم أن هناك أفرقاء آخرين خارجيين مؤثرين في الملف المحلي، يفضلون الذهاب إلى خيار الإسم الثالث.
ما تقدم، يقود إلى الحديث عن الأمور لا تزال تدور في حلقة مفرغة، بالرغم من كل التطورات الحاصلة على المستوى الإقليمي أو على المستوى الداخلي، حيث أن مواقف الأفرقاء المحليين لا تزال على حالها دون أي تغيير، على وقع ذهاب كل فريق إلى قراءة ما يحصل من تطورات على النحو الذي يناسبه، كما حصل بالنسبة إلى نتائج جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية الماضية.
بالنسبة إلى مصادر سياسية مطلعة، هذا الواقع يعني أن الأمور ستبقى على ما هي عليه، إلى حين إقتناع الأفرقاء المحليين بالحاجة إلى حوار من دون شروط مسبقة، لا يكون عنوانه الإتفاق على إسم رئيس الجمهورية، بل أيضاً على سلّة متكاملة تكون الحكومة المقبلة وبرنامج عملها من ضمنها، نظراً إلى أنّ المطلوب أن يكون هذا الإستحقاق بوابة الإنتقال نحو مرحلة جديدة، وهو ما لا يزال بعيداً عن التحقق حتى الآن.
من وجهة نظر هذه المصادر، بات من الواضح أن هذه القناعة لن تأتي إلا نتيجة تدخل دولي عالي السقف، تم التلميح إليه على هامش زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي، أو نتيجة تطورات داخليّة تعيد الأفرقاء المحليين إلى رشدهم، وهو ما قد تظهر معالمه بعد نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، نظراً إلى أن الجميع يتهيّب تداعيات هذه المرحلة على المستويين المالي والإقتصادي، خصوصاً على سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بأنّ نتائج جلسة الإنتخاب الماضية كان من المفترض أن تدفع جميع القوى إلى إجراء مراجعة لمسار الإستحقاق الرئاسي، على قاعدة التعامل الواقعي مع التوازنات القائمة في المجلس النيابي، الأمر الذي لم يحصل بسبب الرهانات التي لم تتبدل، لكنّها تستبعد إستمرار الواقع على ما هو عليه اليوم طويلاً، بسبب الظروف التي ستكون ضاغطة على الجميع.