منذ ما قبل مغادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بيروت، بعد زيارته "الإستكشافية"، كان من الواضح أن الخلاصة الأساسية التي توصل إليها هي الحاجة إلى حوار بين الأفرقاء المختلفين، للسعي إلى تقريب وجهات النظر، على إعتبار أن ليس هناك من طريق آخر لسدّ الشغور في رئاسة الجمهوريّة.
إنطلاقاً من ذلك، جاء حديثه عن أنه سيعمل على تسهيل حوار بناء وجامع للتوصل إلى حل توافقي وفعال، بالتزامن مع إشارته إلى أنه سيعمد إلى التشاور مع الدول الشريكة الأساسية للبنان، الأمر الذي يدفع إلى طرح علامات إستفهام حول الأفكار المطروحة على هذا الصعيد.
في هذا السياق، تلفت مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بات من الواضح أن هناك صعوبة كبيرة في أن يكون هذا الحوار داخليا، نظراً إلى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري تراجع عن هذا الدور، بعد أن بات فريقاً في المعادلة نتيجة تبنيه ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، بينما لا يبدو أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في هذا الوارد، وبالتالي ليس هناك من مرجعية قادرة على لعب دور الراعي لمثل هكذا حوار.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، الحوار الداخلي كان من الممكن أن يحصل في الأشهر الماضية، أي عندما بادر بري إلى توجيه الدعوة الأولى أو الثانية له، لكنه اصطدم بالموقف الرافض أو غير المتحمس من قبل القوى المسيحية الأساسية، أي حزب "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، وبالتالي بات المطلوب أن تكون المرجعية خارجية، مع العلم أن العديد من الأوساط سبق لها أن تحدثت، قبل بداية العام الحالي، عن إمكانية أن تبادر باريس إلى لعب هذا الدور، لكنها تراجعت عن هذه الفكرة.
من وجهة نظر هذه المصادر، أصبح من الواضح أن هناك أفرقاء محليين، تحديداً قوى الثامن من آذار، راغبة في الذهاب إلى هكذا حوار، إلا أن السؤال يبقى حول المرجعية الصالحة في الدعوة إليه، الأمر الذي من المفترض أن يبحث في المشاورات التي ستجريها فرنسا مع العديد من الدول الأخرى، بالإضافة إلى البحث في مكان إنعقاده، سواء كان داخل لبنان أو خارجه، نظراً إلى وجود الكثير من المحاذير التي ستظهر عند الوصول إلى هذه المرحلة.
من ناحية أخرى، تشير مصادر سياسية أخرى، عبر "النشرة"، إلى أن الحاجة إلى الحوار لإنجاز الإستحقاق الرئاسي باتت أمراً محسوماً، لا سيما بعد أن أكدت الجلسة الثانية عشرة لإنتخاب الرئيس أن ليس هناك من فريق يستطيع إيصال مرشحه دون الآخر، وبالتالي كل واحد بحاجة إلى الآخرين للوصول إلى نتيجة، لكن المشكلة أن الغالبية تعتبر أن الأمور لم تصل إلى مرحلة الجلوس حول طاولة المفاوضات.
في قناعة المصادر نفسها، القوى المحلّية لا تزال تراهن على تطورات خارجيّة من الممكن أن تصبّ في صالحها، منها المفاوضات المتعلّقة بالملفّ النووي الإيراني بين واشنطن وطهران أو تداعيات الإتفاق السعودي الإيراني على ملفات المنطقة، وبالتالي هي لم تسلم، على الأقل حتى الآن، بضرورة وقف ذلك للبحث عن الحلول الممكنة وفق التوازنات الحاليّة، ما يفتح الباب للحديث عن شغور طويل.
في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أن هناك معضلة إضافية متعلقة بالبنود التي من الممكن أن تطرح على أيّ طاولة حوار، لناحية تناولها الملف الرئاسي حصراً أم شمولها رئاسة الحكومة وتركيبتها وبرنامج عملها، في حين تبدي قلقها من إمكانية أن يقود تطور الأزمة إلى طرح أمور أخرى تقود إلى تعقيد الأزمة، لا سيما بعد أن تصاعدت، في الفترة الماضية، الأصوات المطالبة بالبحث عن صيغة جديدة.