على وقع حالة الإستعصاء القائمة على مستوى الإستحقاق الرئاسي، يبدو أن البلاد ستكون، في الأيام المقبلة، على موعد مع مجموعة من السجالات الجديدة، التي تدور حول عنوانين أساسيين: الأول هو الضمانات التي يبحث عنها كل فريق، أما الثاني الحديث عن ضرورة البحث عن صيغة حكم جديدة، على قاعدة أن تلك القائمة منذ إتفاق الطائف أثبتت عجزها عن مواجهة الكثير من التحديات.
في هذا السياق، من المؤكّد أن هذا الواقع ليس بالمستجدّ على الساحة السياسية المحلية، فهذه السجالات كانت حاضرة دائماً، طوال السنوات الماضية، إلا أن الفشل في الإتفاق على رئيس الجمهورية المقبل قاد إلى تعزيزها على نحو بعيد، الأمر الذي من المرجح أن يتصاعد أكثر في حال لم تنجح الجهود القائمة في الوصول إلى إتفاق في وقت قريب.
على هذا الصعيد، تشير أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ حالة الجمود التي تسيطر على الملف الرئاسي، منذ مغادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان البلاد في نهاية الأسبوع المنصرم، ستدفع إلى تعزيز هذا النوع من الخطابات، لا سيّما أنّ الأفرقاء المحليين عاجزون عن الوصول إلى أي تفاهم داخلي حول الإستحقاق الرئاسي، على وقع حالة من الغموض تسيطر على المشهد العام في المنطقة.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، الخطر اليوم يكمن في أن هذه الخطابات من المرجح أن تساهم في زيادة التشنجات السياسية، من دون أن يكون هناك إمكانية لأي بحث جدي أو عقلاني حول هذه المسائل، خصوصاً أن هكذا نقاشات تحتاج إلى رعاية خارجيّة لها، الأمر الذي من المستبعد أن يتوفر في وقت قريب، بسبب إنشغال اللاعبين الإقليميين والدوليين بالعديد من الملفات الأخرى، التي يعتبرون أنها أكثر أهمية من الملف اللبناني.
من العلامات الفارقة، في السنوات الماضية، هو الحديث المتكرّر عن الحاجة إلى تسوية كبرى عند أي إستحقاق، فالحديث عن إتّفاق شبيه بالدوحة، بعد أحداث السابع من أيار من العام 2008، أو ذلك الذي حصل في الطائف في العام 1989، يطلّ برأسه بشكل دائم، ما يوحي أنّ التوازنات التي كرّسها الإتفاقان لا ترضي جميع الأفرقاء.
إنطلاقاً من ذلك، تلفت الأوساط السيّاسية المتابعة إلى أن حالة عدم الرضا عن التوازنات، يتم التعبير عنها بالحديث عن الحاجة إلى ضمانات أو تعديل صيغة الحكم القائمة، وتشير إلى أن هذا الأمر ينطبق على غالبية الأفرقاء دون إستثناء، حيث أن الجميع يرى أن لديه مخاوف حقيقية تحتاج إلى معالجة، ويعتبر أن المرحلة الراهنة قد تكون هي الأفضل لفتح باب النقاش، في ظل الأزمة القائمة على كافة المستويات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.
من وجهة نظر هذه الأوساط، فان الواقعين الإقتصادي والإجتماعي يعززان هذه الطروحات، حيث أن الشعوب تبحث دائماً، في أوقات الأزمات، عن حلول جديدة، ما يقود إلى توسيع دائرة التأييد الشعبي لأفكار لم تكن مقبولة قبل فترة قصيرة، إلا الأساس باحتمال أن يقود ذلك إلى تعقيد الأزمات بدل معالجتها، لا سيما إذا ما كان تشخيصها غير سليم، الأمر الذي قد ينطبق على الواقع اللبناني إلى حدّ بعيد.
في المحصلة، تعرب الأوساط نفسها عن قلقلها من أن تؤدي هذه السجالات، التي تعود إلى الرغبة في تحسين أوراق التفاوض الرئاسي بالدرجة الأولى، إلى تداعيات أكبر من المتوقعة، خصوصاً أن القوى المحلية تدرك أنها ستبقى بلا أفق، طالما أن الخارج غير مبال في الملف اللبناني، نظراً إلى أن الواقع على المستوى الإقليمي يمر بمرحلة إنتقالية، وفي مثل هكذا مراحل يرتفع منسوب الخطر في الساحات التي تكثر فيها الجهات المؤثرة، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.