منذ ما قبل الزيارة الماضية للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، كان من الواضح أن أفق الحلول الداخليّة باتت مقفلة بشكل شبه كامل، الأمر الذي دفع بالعديد من الجهات السّياسية إلى الحديث عن إنتظار ما قد يأتي من الخارج من حلول أو أفكار.
وسط هذه الأجواء، برز التعويل على الدور الذي من الممكن أن تلعبه باريس على هذا الصعيد، لا سيما إذا ما نجحت في الوصول إلى تفاهمات مقبولة مع القوى المؤثرة في الساحة اللبنانية، سواء كانت هذه القوى محلية أو خارجية، خصوصاً أن الجانب الوحيد الذي يظهر رغبة في العمل على هذا الملف، على عكس ما هو حال باقي الجهات.
إنطلاقاً من هذا الواقع، بدأت بعض الأوساط المحلية تبدي قلقها من إحتمال إنعكاس إنشغال الإدارة الفرنسيّة بالأوضاع الداخليّة في بلادها على الملفّ اللبناني، حيث تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ من الطبيعي أن يكون لذلك تداعيات على الإهتمام الذي تبديه، لا سيما إذا لم تنجح في معالجة الأحداث القائمة، مع العلم أن الرئيس إيمانويل ماكرون كان يبحث عن إنجاز خارجي، بعد النتائج التي حصل عليها حزبه في الإنتخابات الماضية.
على الرغم من ذلك، تلفت هذه المصادر إلى أنّ الأمور مرهونة بالتقرير الذي يعدّه لودريان، في هذه الأيام، على إعتبار أنه سيكون نقطة الإنطلاق في أي مبادرة قد تذهب إليها باريس، في المرحلة المقبلة، ربطاً بالترجيحات التي تشير إلى أن زيارته الثانية ستكون في منتصف الشهر الحالي، بعد أن تكون قد أجرت سلسلة من الإتصالات مع بعض الدول المؤثرة، خصوصاً تلك التي شاركت في إجتماع باريس الماضي، أي أميركا والسعودية ومصر وقطر.
بناء على ما تقدم، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن ما يحصل على المستوى الفرنسي، يأتي بالتزامن مع إرتفاع منسوب السجالات المحلية حول العديد من الملفات، الأمر الذي من المرجّح أن يتصاعد في الفترة المقبلة إلى حدّ بعيد، بشكل يوحي بإمكانية خروج الأوضاع عن السيطرة في أيّ لحظة.
على هذا الصعيد، تنقل مصادر نيّابية مطلعة، عبر "النشرة"، تأكيدات بأن الجانب الفرنسي لن يتراجع عن الخطوات التي يقوم بها على المستوى اللبناني، حيث من المتوقع أن تسعى إلى دخول أكبر من الجانب السعودي على الملفّ الرئاسي، بالرغم من تشديدها على أنّ ما يحصل في الداخل الفرنسي سيكون له تداعيات، على إعتبار أن إدارة ماكرون قد يصبح لديها أولويات مختلفة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، أخطر ما قد يجري، في حال التراجع الفرنسي، هو عدم وجود البديل القادر على لعب الدور الذي تقوم به، في حين أن الملفات الخلافية الخطرة تزداد يوماً بعد آخر، مع العلم أن هناك إستحقاقات داهمة على المستوى الداخلي، تبدأ من إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولا تنتهي عند حدود عمل حكومة تصريف الأعمال، بل تصل إلى المخاوف من الشغور في قيادة الجيش، في حال إستمرار الشغور الرئاسي إلى ما بعد نهاية ولاية قائد الجيش جوزاف عون.
في المحصّلة، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ الصورة من المفترض أن تتضح خلال وقت قصير، خصوصاً بالنسبة إلى مصير الأحداث في فرنسا ودورها في الملف اللبناني، لكنها توضح في المقابل أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الأفرقاء المحليين العاجزين عن الذهاب إلى حوار فيما بينهم، في حين تتزايد الدعوات إلى البحث صيغة حكم جديدة.