قبل نحو شهرين، برز تأكيد رئيس المجلس النيابي نبيه بري وجوب إنجاز الإستحقاق الرئاسي، كحد أقصى، قبل 15 حزيران الماضي، على قاعدة القلق من المصير الذي من الممكن أن تذهب إليه البلاد في حال إستمرار الشغور الرئاسي، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن، لا بل من الممكن الجزم بأن الأزمة تزداد تعقيداً يوماً بعد آخر، ما دفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، يوم أمس، إلى تجديد دعوته إلى مؤتمر دولي يبحث الملف اللبناني.
في أصل دعوة البطريرك الراعي، لا يمكن إنكار أنها تأتي في ظل إنسداد أفق الحوار الداخلي بين الأفرقاء المحليين، ما يعني الحاجة العملية إلى تدخل خارجي يساهم في إنجاز الإستحقاق الرئاسي، الأمر الذي بات الجميع يسلم به اليوم، بدليل حالة الإنتظار لما قد يأتي به المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، في زيارته الثانية إلى بيروت التي من المرجح أن تحصل في القسم الثاني من الشهر الحالي.
على الرغم من ذلك، تلفت أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى وجود مخاوف حقيقية من ألاّ يكون في جعبة لودريان أيّ حلول عمليّة على المستوى الرئاسي، في ظلّ الأجواء التي تشير إلى أنّ مواقف باقي الأفرقاء الخارجيين لا تزال على حالها، وبالتالي الجهود تقتصر على ما تقوم باريس، التي لا تملك، من حيث المبدأ، القدرة على إنجاز حلّ وحدها، بسبب التوازنات القائمة في البلاد، بالإضافة إلى التصلب في المواقف الذي تبديه القوى المحلية.
وتشير هذه الأوساط إلى أن ما ينبغي التوقف عنده هو حالة "التعايش"، التي تبديها العديد من الجهات، مع الشغور الرئاسي، حيث بات البعض يتحدث صراحة عن فراغ طويل الآمد، الأمر الذي يتطلب الذهاب إلى خطوات عملية تواكب هذه المرحلة، خصوصاً على مستوى المؤسسات التي من الممكن أن يطالها الشغور في الأيام أو الأشهر المقبلة، في حين أن الجهود من المفترض أن تنصب على كيفية إنجاز الإستحقاق الرئاسي قبل أي أمر آخر.
من وجهة نظر الأوساط نفسها، هذا الواقع يعود، بالدرجة الأولى، إلى إقتناع معظم الأفرقاء المحليين، بأن ليس هناك ما يفرض عليهم تقديم أي تنازلات في المرحلة الراهنة، لا سيما أن بينهم من يراهن على أن الجهات الخارجية المؤثرة تريد الحفاظ على الحد الأدنى من الإستقرار اللبناني، وبالتالي هم يستطيعون الإستمرار في حالة المراوحة، على أمل أن يقود ذلك إلى حصول تطورات تصب في صالحهم.
في الجهة المقابلة، لدى مصادر نيابية مطلعة قراءة مختلفة، تشير فيها، عبر "النشرة"، إلى أن حالة عدم الإهتمام الخارجي في الملفّ اللبناني، لا ينبغي أن تدفع الأفرقاء المحليين إلى التساهل في التعامل مع تداعيات الشغور الرئاسي، خصوصاً أنهم يسلّمون بإنشغال القوى المؤثرة في العديد من الملفات الأخرى، وبالتالي التطورات قد لا تكون في صالح أي فريق، بدليل المخاوف التي كانت قد ظهرت، في الأيام الماضية، من إحتمال تراجع الدور الفرنسي، بسبب إنشغال باريس بأحداثها الداخلية.
في المحصّلة، تلفت هذه المصادر إلى أنّ ليس هناك ما يمنع بروز توترات داخليّة، بسبب أكثر من الملف، خصوصاً أنّ حدّة السجالات ترتفع على نحو خطير، وهي في أغلب الأحيان تأخذ طابعاً طائفياً أو مذهبياً، وهو ما كان قد تأكد، في الأيام الماضية، على خلفية بعض الأحداث، من دون تجاهل ما يحصل بالتزامن على مستوى الجبهة الجنوبيّة، بينما قد تظهر، في المستقبل القريب، العديد من الملفّات الأخرى التي تصب في الإطار نفسه.