تفاجأ البعض بالموقف الأخير لرئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي قال فيه إنه "مع تعيينات الضرورة أياً تكن هذه التعيينات وفي ظل حكومة تصريف أعمال الضرورات تبيح المحظورات..." ولكن، من يتابع التطورات السياسية الأخيرة وكواليس الإتصالات المفتوحة بين عين التينة والسراي الحكومي، يعرف تماماً أن ليس في كلام بري هذا أي مفاجأة بل كان الإعلان عنه متوقعاً وفي أي لحظة.
يقول المطلعون إن القصّة بدأت منذ أسابيع قليلة، وتحديداً عندما عقد مجلس الوزراء جلسة مخصصة لملف عودة النازحين السوريين وللموافقة على تعيين محاميين في فرنسا لمساعدة هيئة القضايا في وزارة العدل بدعوى حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، وفي بداية الجلسة أخذ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الكلام كعادته وراح يتحدث بإسهاب عن الترقيات العسكرية والأمنية (أقرت في جلسة لاحقة) وفي حديثه هذا كشف أنه طلب من وزيري الدفاع والداخلية تقديم إقتراحين لإستكمال التعيينات في المجلس العسكري وفي مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي مبرراً ذلك بالقول "أي فراغ في القيادة العسكرية يحوّل الصلاحيات الى رئيس الأركان في الجيش وفي غياب رئيس الأركان لا يمكننا التكهن بما قد يحصل".
كلام ميقاتي هذا قيل في الثالث عشر من حزيران 2023، أما كلام بري عن تأييده تعيينات الضرورة، فقيل في السادس من تموز أي بفارق زمني بينهما أقل من شهر واحد، ما يعني أن النية بإقرار تعيينات منسقة بين بري وميقاتي والدليل القاطع على ذلك كيف ختم رئيس المجلس النيابي موقفه بالقول "لا يستطيع قائد الجيش مغادرة البلاد دقيقة واحدة لأن الجيش يصبح بلا قائد".
إذاً يتذرع رئيسا مجلس النواب والحكومة بالفراغ المرتقب في قيادة الجيش لفتح الباب أمام تعيينات تقرها حكومة تصريف الأعمال غير القادرة على التعيين، علماً أن قائد الجيش العماد جوزاف عون يحال على التقاعد في العاشر من كانون الثاني 2024 وهناك متسّع من الوقت يزيد عن الخمسة أشهر قبل الوصول الى هذا التاريخ.
لكل ما تقدم، وبما أننا مقبلون على توسعة تصريف الأعمال بتعيينات من العيار الثقيل، يصبح من الضروري طرح أكثر من سؤال وسؤال:
أولاً إذا كان تعيين رئيس الأركان من الأمور الضرورية والملحّة وبهدف تولّي الضابط الذي سيُعيّن في هذا الموقع قيادة الجيش بعد تقاعد العماد عون، أليس من الضروري والمُلحّ أكثر تعيين حاكم لمصرف لبنان بدلاً من رياض سلامة الذي تنتهي ولايته الممددة في 31 تموز الجاري أي بعد حوالي أسبوعين؟ بالتأكيد، الوضع الأمني مهم ويفرض الحفاظ على المؤسسة العسكرية وإبعادها عن الخضات الداخلية، ولكن الوضع النقدي الذي نعيشه مهم جداً أيضاً في ظل الإنهيار الحاصل، وقد يكون الأدقّ في تاريخ لبنان، وإذا كان قلبكم فعلاً هو على لبنان فالبداية في التعيين يجب أن تكون من حاكم المركزي قبل المجلس العسكري، وقبله من إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وحكومة جديدة مكتملة المواصفات والصلاحيات تجري التعيينات المطلوبة وتبدأ بالإصلاحات، لكن الحقيقة تؤكد أن قلوبكم هي على التعيين لا على لبنان، وعلى فتح الباب أمام الكثير من التعيينات في ظل حكومة لا يحق لها التعيين.
أما السؤال الثاني والأبرز، فهو، هل سيمرّر حزب الله هذه التعيينات على طاولة مجلس الوزراء بعدما قال أمينه العام السيد حسن نصرالله مراراً وتكراراً إن حكومة تصريف الأعمال لا يحق لها التعيين؟!.