منذ إشتداد الصراع حول الملف الرئاسي، لا سيما بعد جلسة الإنتخاب الأخيرة، يسعى "حزب الله" إلى إقناع غالبية القوى السياسية، خصوصاً تلك التي تعارض ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، بالذهاب إلى طاولة حوار من دون شروط مسبقة، في حين تسعى تلك القوى إلى سحب ورقة ترشيح فرنجية قبل حصول هذه الخطوة، وهو ما كانت تظن أن التقاطع على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور سيكون كفيلاً بتحقيقه.
خلال زيارة المبعوث الفرنسي الى لبنان، قدّمت رؤية حزب الله "مادّة" جديدة لخصومه، عنوانها ما تسرب عن تلميحه للرغبة بحصول تعديلات دستورية، تسمح للشيعة بالتمثل بالحكم داخل السلطة التنفيذية، وهذا الأمر حصل بالفعل رغم محاولات نفيه من قبل المعنيين في الحزب أو الثنائي الشيعي، وهذا ما جعل خصوم الحزب، الذين كانوا من المطالبين بتعديل النظام وتغييره ومن طارحي فكرة الفيدرالية والطلاق والخلع، يتحسسون "مكتسباتهم"، ويتخلون عن كل تصريحاتهم ويُعيدون التمسك باتفاق الطائف، ويتهمون الحزب بالرغبة بتغييره.
في مواجهة الدعوات إلى الحوار، التي كان "حزب الله" على رأس قائمة داعميها، عمدت بعض القوى الأخرى، لا سيما حزب "القوات اللبنانية"، إلى التحذير من أن الهدف منها هو الإطاحة بإتفاق الطائف، في سياق السعي إلى تأمين حشد كبير في مواجهة تلك الدعوات، وهنا انقلبت الآية، حيث أصبح خصوم الحزب، خصوم اتفاق الطائف، من المؤيدين له، بينما اتهم الحزب بالوقوف بوجه الاتفاق.
في هذا السياق عمد الحزب مؤخراً على لسان مسؤوليه الى التأكيد على تمسكه باتفاق الطائف، وتكرر ذلك في أكثر من مناسبة، والهدف بحسب المصادر هو الموقف السعودي، إذ لا يمكن التطلّع إليه بمعزل عن الخطوة التي ينتظرها الحزب، في إطار دعم ترشيح فرنجية، أي الحصول على موقف سعودي مؤيّد لهذا الخيار، وبالتالي يمكن الحديث عن أنه أراد، من خلال التمسك بإتفاق الطائف، أن يبعث برسالة طمأنة إلى الرياض، التي تعتبر من أبرز المتمسكين بهذا الإتفاق.
في جلسة مغلقة الأسبوع الماضي، تحدث رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن ارتياحه وفريقه السياسي الى الخطوة السعودية التي دحضت نظرية وجود فيتو على ترشيح سليمان فرنجية، كاشفاً في الوقت نفسه عن عمل جاد ومستمر ومحاولات قائمة بغية الحصول على الدعم السعودي لترشيح رئيس تيار المردة، ولو أن البعض يتحدث عن أن هذا الدعم كان قريباً جداً لو لم يحصل التقاطع المسيحي على إسم جهاد أزعور، ما استدعى تأجيلاً لبعض الخطط والمواقف، أو تغييراً لها، وهذه المحاولات قد لا تستقيم بظل الحديث عن رغبة شيعية بتعديل النظام الحالي، خاصة أن بري من أشد المتمسكين بالطائف وتطبيقه، وله باع طويل في السعي لهذا المطلب، وقد عبر عن ذلك مؤخراً بالحديث عن الراغبين بتغيير الاتفاق بالقول "ما حدا يجرب أحسن له".
انطلاقاً من هنا قد يُفهم سبب اعلان الحزب تمسكه بالطائف، وسبب تمسك القوى التي كانت تدعو للطلاق عن الطائف أيضاً، على رأسها القوات اللبنانية، وسبب هجوم خصوم فرنجية على داعميه من باب الرغبة بتعديل الاتفاق، لأن المملكة لن تسير برئيس للجمهورية لا يكون الطائف والتمسك به على رأس قناعاته، وبالتالي فإن السعي للحصول على دعم المملكة رئاسياً يبدأ من "الطائف".